كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)
جوانبه تدريجا فيكون الحفوف بمعنى الدوران حوله أو يراد بكونه حافا أنه جزء من الحاف وله مدخل في الحفوف ولو صح ما ذكر لم يصح أن يقال : طائف أو محدق أو محيط أو نحوه مما يدل على الإحاطة وأورد على الثاني أنا لم نجد ورود جمع سالم لم يرد استعمال مفرده فبعد ورود حافين الظاهر ورود حاف كما لا يخفى والخطاب لسيد المخاطبين صلى الله تعالى عليه وسلم وجوز أن يكون لكل من تصح منه الرؤية كأنه قيل : وترى أيها الرائي الملائكة حافين من حول العرش أي حول العرش على أن من مزيدة على رأي الأخفش وهو الأظهر وقيل : هي للإبتداء فحول العرش مبتدأ الحفوف وكأن الحفوف حينئذ للخلق وفي بعض الآثار ما هو ناطق بذلك وفيها ما يدل على أن العرش يوم فصل القضاء يكون في الأرض حيث يشاء الله تعالى يومئذ غير هذه الأرض على أن أحوال يوم القيامة وشؤن الله تعالى وراء عقولنا وسبحان من لا يعجزه شيء والظاهر أن الرؤية بصرية فحافين حال أولى وقوله تعالى : يسبحون بحمد ربهم حال ثانية ويجوز أن يكون حالا من ضمير حافين المستتر وجوز كون الرؤية علمية فحافين مفعول ثان وجملة يسبحون حال من الملائكة أو من ضميرهم في حافين والباء في بحمده للملابسة والجار والمجرور في موضع الحال أي ينزهونه تعالى عما لا يليق به ملتبسين بحمده وحاصله يذكرون الله تعالى بوصفي جلاله وإكرامه تبارك وتعالى وهذا الذكر إما من باب التلذذ فإن ذكر المحبوب من أعظم لذائذ المحب كما قيل : أجد الملامة في هواك لذيذة حبا لذكرك فليلمني اللوم أو من باب الإمتثال ويدعى أنهم مكلفون ولا يسلم أنهم خارجون عن خطة التكليف أو يخرجون عنها يوم القيامة نعم لا يرون ذلك كلفة وإن أمروا به وفي حديث طويل جدا أخرجه عبد بن حميد وعلي بن سعيد في كتاب الطاعة والعصيان وأبو يعلى وأبو الحسن القطان في المطولات وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في البعث والنشور عن أبي هريرة فبينما نحن وقوف أي في المحشر إذ سمعنا حسا من السماء شديدا فينزل أهل سماء الدنيا بمثلي من في الأرض من الجن والإنس حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم وأخذوا مصافهم ثم تنزل أهل السماء الثانية بمثلي من نزل من الملائكة ومثلي من فيها من الجن والإنس حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم وأخذوا مصافهم ثم تنزل أهل السماء الثالثة بمثلي من نزل من الملائكة ومثلي من فيها من الجن والإنس حتى إذا دنوا من الأرض أشرقت الأرض بنورهم وأخذوا مصافهم ثم ينزلون على قدر ذلك من التضعيف إلى السماوات السبع ثم ينزل الجبار في ظلل من الغمام والملائكة تحمل عرشه يومئذ ثمانية وهم اليوم أربعة أقدامهم على تخوم الأرض السفلة والأرضون والسماوات إلى حجزهم والعرش على مناكبهم لهم زجل بالتسبيح فيقولون : سبحان ذي العزة والجبروت وسبحان ذي الملك والملكوت سبحان الحي الذي لا يموت سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت سبوح قدوس رب الملائكة والروح سبحان ربنا الأعلى الذي يميت الخلائق ولا يموت فيضع عرشه حيث يشاء من الأرض ثم يهتف سبحانه بصوته فيقول عز و جل : يا معشر الجن والإنس إني قد أنصت لكم منذ يوم خلقتكم إلى يومكم هذا أسمع قولكم وأبصر أعمالكم فأنصتوا إلي فإنما هي أعمالكم وصحفكم تقرأ عليكم فمن وجد خيرا فليحمد الله تعالى ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه الحديث