كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)
فثنوا ما هو وتر لأجل ما هو شفع وجوز كون جمع التوابع المذكورات أبدالا وتعمد تنكير شديد العقاب وإبهامه للدلالة على فرط الشدة وعلى ما لا شيء أدهى منه وأمر لزيادة الإنذار وفي الكشف جعل كلها أبدالا فيه تنافر عظيم لا سيما في إبدال العزيز من الله الاسم الجامع لسائر الصفات العلم النص وأين هذا من براعة الإستهلال وذهب مكي إلى جواز كون غافر الذنب وقابل التوب دون ما قبلهما بدلين وأنهما حينئذ نكرتان وقد علمت ما فيه مما تقدم وقال أبو حيان : إن بدل البداء عند من أثبته قد يتكرر وأما بدل كل من كل وبدل بعض من كل وبدل اشتمال فلا نص عن أحد مكن النحويين أعرفه في جواز التكرار أو منعه إلا أن في كلام بعض أصحابنا ما يدل على أن البدل من البدل جائز دون تعدد البدل واتحاد المبدل منه وظاهر كلام الخفاجي أن النحاة صرحوا بجواز تعدده حيث قال : لا يرد على القول بالإبدال قلة البدل في المشتقات ولا أن النكرة لا تبدل من المعرفة مالم توصف ولا أن تعدد البدل لم يذكره النحاة كما قيل لأن النحاة صرحوا بخلافه في الجميع وللدماميني فيه كلام طويل الذيل في أول شرح الخزرجية لا يسعه هذا المقام فإن أردته فانظر فيه انتهى
وعندي أن الإبدال هنا ليس بشيء كلا أو بعضا و التوب يحتمل أن يكون مصدرا كالأوب بمعنى الرجوع ويحتمل أن يكون اسم جمع لتوبة كتمر وتمرة و الطول الفضل بالثواب والأنعام أو بذلك وبترك العقاب المستحق كما قيل وهو أولى من تخصيصه بترك العقاب وإن وقع بعد شديد العقاب وكون الثواب موعودا فصار كالجواب فلا يكون فضلا ليس بشيء فإن الوعد به ليس بواجب وفسره ابن عباس بالسعة والغنى وقتادة بالنعم وابن زيد بالقدرة وتوسيط الواو بين غافر الذنب وقابل التوب لإفادة الجمع للمذنب التائب بين رحمتين بين أن يقبل سبحانه توبته فيكتبها له طاعة من الطاعات وأن يجعلها محاءة للذنب كأنه لم يذنب كأنه قيل : جامع المغفرة والقبول قاله الزمخشري ووجه كما في الكشف أنها صفات متعاقبة بدون الواو دالة على معنى الجمع المطلق من مجرد الإجراء فإذا خصت بالواو إحدى القرائن دل على أن المراد المعتبر فيها وفيما تقدمها خاصة صونا لكلام البليغ عن الإلغاء ففي الواو هنا الدلالة على أنه سبحانه جامع بين الغفران وقبول التواب للتائب خاصة ولا ينافي ذلك أنه عز و جل قد يغفر لمن لم يتب وما قيل : إن التوسيط يدل على أن المشي كما أخرج أبو الشيخ في العظمة عن الحسن غافر الذنب لمن لم يتب وقابل التوب لمن تاب فغير مسلم والتغاير الذي يذكرونه بين موقع الفعلين وهما غفران الذنب وقبول التوبة عنه المقتضى لكون الغفران بالنسبة إلى قوم والقبول بالنسبة إلى آخرين إذ جعلوا موقع الأول الذنب الباقي في الصحائف مؤاخذة وموقع الثاني الذنب الزائل الممحو عنها حاصل مع الإجراء فلا مدخل للواو ثم ما ذكر من الوجه السابق جار على أصلي أهل السنة والمعتزلة فلا وجه لرده بقادح وإيثار ما هو مرجوح وتقديم الغافر على القابل من باب تقديم التخلية على التحلية فافهم وفي القطع بقبول توبة العاصي قولان لأهل السنة وفي البحر الظاهر من الآية أن توبة العاصي بغير الكفر كتوبة العاصي به مقطوع بقبولها وفي توحيد صفة العذاب مغمورة بصفاته تعالى الدالة على الرحمة دليل على زيادة الرحمة وسبقها فسبحانه من إله ما أرحمه وأكرمه لا إله إلا هو فيجب الإقبال الكلي على طاعته في أوامره ونواهيه إليه المصير
3
- فحسب لا إلى غير تعالى لا استقلالا ولا اشتراكا فيجازي كلا من المطيع والعاصي وجملة لا إله إلا هو مستأنفة أو حالية وقيل : صفة لله تعالى أو لشديد