كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)
وأما العيان فيغني عن البيان ففي ذلك رمزا إلى الرد على المجسمة ونظيره في ذلك قوله عليه الصلاة و السلام : لا تفضلوني على ابن متي كذا قيل وينبغي أن يعلم أن كون العرش لا يرونه عز و جل بالحاسة لا يلزم منه عدم رؤية المؤمنين إياه تعالى في الدار الآخرة ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما على إرادة القول أي يقولون ربنا الخ والجملة لا محل لها من الإعراب على أنها تفسير ليستغفرون أو في محل رفع على أنها عطف بيان على تلك الجملة بناء على جوازه في الجمل أو في محل نصب على الحالية من الضمير في يستغفرون
وفسر استغفارهم على هذا الوجه بشفاعتهم للمؤمنين وحملهم على التوبة بما يفيضون على سرائرهم وجوز أن يكون الإستغفار في قوله تعالى : ويستغفرون لمن في الأرض المفسر بترك معالجة العقاب وأرادوا الرزق والإرتفاق بما خلق من المنافع الجمة ونحو ذلك وهو وإن لم يخص المؤمنين لكنهم أصل فيه فتخصيصهم هنا بالذكر للإشارة إلى ذلك والأظهر كون الجملة تفسيرا ونصب رحمة وعلما على التمييز وهو محول عن الفاعل والأصل وسعت رحمتك وعلمك كل شيء وحول إلى ما في النظم الجليل للمبالغة في وصفه عز و جل بالرحمة والعلم حيث جعلت ذاته سبحانه كأنها عين الرحمة والعلم مع التلويح إلى عمومها لأن نسبة جميع الأشياء إليه تعالى مستوية فتقتضي استواءها في شمولها ووصفه تعالى بكمال الرحمة والعلم كالتمهيد لقوله سبحانه : فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك الخ وتسبب المغفرة عن الرحمة ظاهر وأما تسببها عن العلم فلأن المعنى فاغفر للذين علمت منهم التوبة أي من الذنوب مطلقا بناء على أنه المتبادر من الإطلاق واتباع سبيلك وهو سبيل الحق التي نهجها الله تعالى لعباده ودعا إليها الإسلام أي عملك الشامل المحيط بما خفى وما علن يقتضي ذلك وفيه على طهارتهم من كدورات الرياء والهوى فإن ذلك لا يعلمه إلا الله تعالى وحده
ويتضمن التمهيد المذكور الإشارة إلى أن الرحمة الواسعة والعلم الشامل يقتضيان أن ينال هؤلاء الفوز العظيم والقسط الأعلى من الرضوان وفيه إيماء إلى معنى إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما فإن العبد وإن بالغ حق المبالغة في إداء حقوقه تعالى فهو مقصر وإليه الإشارة بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله تعالى برحمته وتقديم الرحمة لأنها المقصودة بالذات ههنا وفي تصدير الدعاء بربنا من الإستعطاف ما لا يخفى ولذا كثر تصدير الدعاء به وقوله تعالى : وقهم عذاب الجحيم
7
- أي واحفظهم عنه تصريح بعد تلويح للتأكيد فإن الدعاء بالمغفرة يستلزم ذلك وفيه دلالة على شدة العذاب
ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم أي وعدتهم إياها فالمفعول الآخر مقدر والمراد وعدتهم دخولها وتكرير النداء لزيادة الإستعطاف وقرأ زيد بن علي والأعمش جنة عدن بالإفراد وكذا في مصحف عبد الله ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم عطف على الضمير المنصوب في أدخلهم أي وأدخل معهم هؤلاء ليتم سرورهم ويتضاعف ابتهاجهم وجوز الفراء والزجاج العطف على الضمير في وعدتهم أي وعدتهم ووعدت من صلح الخ فقيل : المراد بذلك الوعد العام وتعقب بأنه لا يبقى على هذا للعطف وجه فالمراد الوعد الخاص بهم بقوله تعالى : ألحقنا بهم ذرياتهم والظاهر العطف على الأول والدعاء بالإدخال