كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)
فيه صريح وفي الثاني ضمني والظاهر أن المراد بالصلاح الصلاح المصحح لدخول الجنة وإن كان دون صلاح المتبوعين وقرأ ابن أبي عبلة صلح بضم اللام يقال : صلح فهو صليح وصلح فهو صالح وقرأ عيسى ذريتهم يالإفراد إنك أنت العزيز أي الغالب الذي لا يمتنع عليه مقدور الحكيم
8
- الذي لا يفعل إلا ما تقتضيه الحكمة الباهرة من الأمور التي من جملتها إدخال من طلب إدخالهم الجنات فالجملة تعليل لما قبلها
وقهم السيئات أي العقوبات على ما روي عن قتادة وإطلاق السيئة على العقوبة لأنها سيئة في نفسها وجوز أن يراد بها المعنى المشهور وهو المعاصي والكلام على تقدير مضاف أي وقهم جزاء السيآت أو تجوز بالسبب عن المسبب وأيا ما كان فلا يتكرر هذا مع وقهم عذاب الجحيم بل هو تعميم بعد تخصيص لشموله العقوبة الدنيوية والأخروية أو الدعاء الأول للمتبوعين وهذا للتابعين وجوز أن يراد بالسيآت المعنى المشهور بدون تقدير مضاف ولا تجوز أي المعاصي أي وقهم المعاصي في الدنيا ووقايتهم منها حفظهم عن ارتكابها وهو دعاء بالحفظ عن سبب العذاب بعد الدعاء بالحفظ عن المسبب وهو العذاب وتعقب بأن الأنسب على هذا تقديم هذا الدعاء على ذاك ومن تق السيئات يومئذ أي يوم المؤاخذة فقد رحمته ويقال على الوجه الأخير ومن تق السيآت يوم العمل أي في الدنيا فقد رحمته في الآخرة وأيد هذا الوجه بأن المتبادر من يومئذ الدنيا لأن إذ تدل على المضي وفيه منع ظاهر وذلك إشارة إلى الرحمة المفهومة من رحمته أو إلى الوقاية المفهومة من فعلها أو إلى مجموعهما وأمر التذكير على الإحتمالين الأولين وكذا أمر الإفراد على الإحتمال الأخير ظاهر هو الفوز أي الظفر العظيم
9
- الذي لا مطمع وراءه لطامع هكذا وإلى كون المراد بالذين تابوا من الذنوب مطلقا ذهب الزمخشري وقال السيآت على تقدير حذف المضاف هي الصغائر أو الكبائر المتوب عنها وذكر أن الوقاية منها التكفير أو قبول التوبة وأن هؤلاء المستغفر لهم تائبون صالحون مثل الملائكة في الطهارة وأن الإستغفار لهم بمنزلة الشفاعة وفائدة زيادة الكرامة والثواب فلا يضر كونهم مودعين المغفرة والله تعالى لا يخلف الميعاد وتعقب بأنه لا فائدة في ذكر الرحمة والمبالغة فيها إذا كان المغفور له مثل الملائكة عليهم السلام في الطهارة وأي حاجة إلى الإستغفار فضلا عن المبالغة وأن ما قاله في السيآت لا يجوز فإن إسقاط عقوبة الكبيرة بعد التوبة واجب في مذهبه وما كان فعله واجبا كان بالدعاء عبثا قبيحا عن المعتزلة وكذا إسقاط عقوبة الصغيرة فلا يحسن طلبه بالدعاء ولا يجوز أن يكون ذلك لزيادة منفعة لأن ذلك لا يسمى مغفرة حكى هذا الطيبي عن الإمام ثم قال : فحينئذ يجب القول بأن المراد بالتوبة التوبة عن الشرك كما قال الواحدي فاغفر للذين تابوا عن الشرك واتبعوا سبيلك أي دينك الإسلام فإن قلت : لو لم يكن التوبة من المعاصي مرادا لكان يكفي أن يقولون : فاغفر للذين آمنوا ليطابق السابق قلت : والله تعالى أعلم هو قريب من وضع المظهر موضع المضمر من غير اللفظ السابق وبيانه أن قوله تعالى ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا الآية جاء مفصولا عن قوله تعالى : ويستغفرون للذين آمنوا فالآية بيان لكيفية الإستغفار لا لحال المستغفر لهم ووصفهم المميز يعرف بالذوق وأما فائدة العدول عن المضمر وأنه لم يقل : فاغفر لهم بل قيل : للذين