كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)

تابوا فهي أنم الملائكة كما عللوا الغفران في حق مفيض الخيرات جل شأنه بالعلم الشامل والرحمة الواسعة عللوا قابل الفيض أيضا بالتوبة عن الشرك واتباع سبيل الإسلام فإن قلت : هذه التوبة إنما تصح في حق من سبق شركه على إسلامه دون من ولد مسلما ودام عليه قلت : الآية نازلة زمن الصحابة وجلهم انتقلوا من الشرك إلى الإسلام ولو قيل : فاغفر لمن لم يشرك لخرجوا فغلب الصحابة رضي الله تعالى عنهم على سنن جميع الأحكام انتهى ولعمري أن البحث فيه مجالا أي مجال
وفي الكشف إنما اختار الزمخشري ما اختاره على ما قال الواحدي من أن التوبة عن الشرك لأن التوبة عند الإطلاق تنصرف إلى التوبة من الذنوب مطلقا على أن فيه تكرارا إذ لأن التائب عن الشرك هو المسلم وقد فسر متبع السبيل في هذا القول به وغذا شرط حملة العرش ومن حوله عليهم السلام وصلاح التابع وهو الذرية مع ما ورد من قوله تعالى : بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم فما بال المتبوع وأنت تعلم أن الصلاح من أخص أوصاف المؤمن وكفاك دعاء إبراهيم ويوسف عليهما السلام في الإلحاق بالصالحين شاهدا وأما أنهم غير محتاجين إلى الدعاء فجوا به أنه لا يجب أن يكون للحاجة ألا ترى إلى قولنا : اللهم صل على سيدنا محمد وما ورد فيه من الفضائل والمعلوم حصوله منه تعالى يحسن طلبه فإن الدعاء في نفسه عبادة ويوجب للداعي والمدعو له من الشرف ما لا يتقاعد عن حصول أصل الثواب ثم إن الوقاية عن السيئات إن كانت بمعنى التكفير وقع الكلام في أن السيئات المكفرة ما هي ولا خفاء أن النصوص دالة على تكفير التوبة للسيئات كلها وأن الصغائر مكفرات ما أجتنبت الكبائر فلا بد من تخصيصها به كما ذكر وإن كان معناها أن يعفى عنها ولا يؤاخذ بها كما هو قول الواحدي ومختار الإمام ومن أئتم به فينبغي أن ينظر أن الوقاية في أي المعنيين أظهر وأن قوله تعالى : ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وما يفيده من المبالغة على نحو من أدرك مرعة الصمان فقد أدرك
وتعقبه بقوله سبحانه : وذلك هو الفوز العظيم في شأن المقصرين أظهر أو شأن المكفرين ومن هذا التقدير قد لاح أن هذا الوجه ظاهر هذا السياق وأنه يوافق أصل الفريقين وليس فيه أنه سبحانه يعفو عن الكبائر بلا توبة أو لا يعفو فلا ينافي جوازه من أدلة أخرى إلى ما قال وهو كلام حسن وإن كان في بعضه كحديث التكرار وكون الصلاح في الآية ما هو من أخص أوصاف المؤمن نوع مناقشة وقد يرجح كون المراد بالتوبة من الذنوب مطلقا دون التوبة عن الشرك فقط بأن المتبادر من وقهم عذاب الجحيم وق كل واحد منهم ذلك ومن المعلوم أن لا بد من نفوذ الوعيد في طائفة من المؤمنين العاصين وتعذيبهم في النار فيكون الدعاء بحفظ كل من المؤمنين من العذاب محرما
وقد نصوا على حرمة أن يقال : اللهم اغفر لجميع المؤمنين جميع ذنوبهم لذلك ولا يلزم ذلك على كون الدعاء للتائبين الصالحين وحمل الإضافة على العهد بأن يراد بعذاب الجحيم ما كان على سبيل الخلود لا يخفى حاله والإعتراض بلزوم الدعاء بمعلوم الحصول على كون المراد بالتوبة ذلك بخلاف ما إذا أريد بها التوبة عن الشرك فإنه لا يلزم ذلك إذ المعنى فاغفر للذين تابوا عن الشرك ذنوبهم التي لم يتوبوا عنها وغفران تلك الذنوب غير معلوم الحصول قد علم جوابه مما في الكشف على أن في كون الغفران للتائب معلوم الحصول خلافا أشرنا إليه أول السورة نعم هذا اللزوم ظاهر في قولهم : وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم نظير ذلك ما ورد في الدعاء

الصفحة 49