كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)

من سبيل
11
- طريق من الطرق فنسلكه ومثل هذا التركيب يستعمل عند إلياس وليس المقصود به الإستفهام وإنما قالوه من فرط قنوطهم تعللا أو تحيرا ولذلك أجيبوا بذكر ما أوقعهم في الهلاك وهو قوله تعالى : ذلكم الخ من غير جواب عن الخروج نفيا أو إثباتا وإن كان الإستفهام على ظاهره والمراد طلب الخروج نظير فأرجعنا نعمل صالحا ونحوه لقيل : اخسؤا فيها أو نحو ذلك كذا قيل وجوز أن يكونوا طلبوا الرجعة ليعملوا بموجب ذلك الإعتراف لكن مع استبعاد لها واستشعار يأس منها والجواب إقناط لهم ببيان أنهم كانوا مستمرين على الشرك فجوزوا باستمرار العقاب والخلود في النار كما يقتضيه حكمه تعالى وذلك جواب بنفي السبيل إلى الخروج على أبلغ وجه ولا أرى في هذا الوجه بأسا ويوشك أن يكون المتبادر والمعنى ذلكم الذي أنتم فيه من العذاب بأنه أي بسبب أن الشأن إذا دعى الله أي عبد سبحانه في الدنيا وحده أي متحدا منفردا فهو نصب على الحال مؤول بمشتق منكر أو يوحد وحده على أنه مفعول مطلق لفعل مقدر على حد أنبتكم من الأرض نباتا والجملة بتمامها حال أيضا حذفت وأقيم المصدر مقامها وفيه كلام آخر مفصل في الوفدة وقد تقدم بعضه
كفرتم بتوحيده تعالى أي جحدتم وأنكرتم ذلك وإن يشرك به تؤمنوا بالإشراك أي تذعنوا وتقروا به وفي إيراد إذا وصيغة الماضي في الشرطية الأولى و إن وصيغة المضارع في الثانية ما لا يخفى من الدلالة على سوء حالهم وحيث كان كذلك فالحكم لله الذي لا يحكم إلا بالحق ولا يقضي إلا بما تقتضيه الحكمة العلي الكبير
12
- المتصف بغاية العلوم نهاية الكبرياء فليس كمثله شيء في ذاته وصفاته وأفعاله ولذا اشتدت سطوته بمن أشرك به واقتضت حكمته خلوده في النار فلا سبيل لخروجهم منها أبدا إذ كنتم مشركين
واستدلال الحرورية بهذه الآية على زعمهم الفاسد في غاية السقوط ويكفي في الرد عليهم قوله تعالى : فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها الآية وقوله تعالى : يحكم به ذوا عدل منكم هو الذي يريكم آياته الدالة على شؤنه العظيمة الموجبة لتفرده بالألوهية لتستدلوا بها على ذلك وتعملوا بموجبها فإذا دعى سبحانه وحده تؤمنوا وإن يشرك به تكفروا وهذه الآيات ما يشاهد من آثار قدرته عز و جل : وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد وينزل بالتشديد وقريء بالتخفيف من الإنزال لكم من السماء رزقا أي سبب رزق وهو المطر وإفراده بالذكر مع كونه جملة تلك الآيات لتفرده بعنوان كونه من آثار رحمته وجلائل نعمته الموجبة للشكر وصيغة المضارع في الفعلين للدلالة على تجدد الإراءة والتنزيل واستمرارهما وتقديم الجار والمجرور على المفعول لما مر غير مرة وما يتذكر بتلك الآيات التي هي كالمركوزة في العقول لظهورها المغفول عنها للإنهماك في التقليد واتباع الهوى إلا من ينيب
13
- يرجع عن الإنكار بالإقبال عليها والتفكر فيها فإن الجازم بشيء لا ينظر فيما ينافيه فمن لا ينيب بمعزل عن التذكر فادعوا الله اعبدوه عز و جل مخلصين له الدين من الشرك ولو كره الكافرون
14
- إخلاصهم وشق عليهم
وظاهر كلام الكشاف أن ادعو الخ مسبب عن الإنابة وأن فيه التفاتا حيث قال : ثم قال للمنيبين

الصفحة 54