كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)

لفساد المعنى والحاجة إلى تقدير محذوف مع الغنى عنه وكذلك على قراءة كاظمون للأول فقط فيتعين كون لدى الحناجر خبرا و كاظمون خبرا آخر وبذلك يترجح كون الحال من القلوب وقدر الكواشي هم كاظمون ليوافق وجه الحالية من الأصحاب وجوز كونه حالا من مفعوا أنذرهم أي أنذرهم مقدرا كظمهم أو مشارفين الكظم
ما للظالمين من حميم أي قريب مشفق من احتم فلان لفلان احتد فكأنه الذي يحتد حماية لذويه ويقال لخاصة الرجل حامته ومن هنا فسر الحميم بالصديق ولا شفيع يطاع
18
- أي ولا شفيع يشفع فالجملة في محل جر أو رفع صفة شفيع والمراد نفي الصفة والموصوف لا الصفة فقط ليدل على أن ثم شفيعا لكن لا يطاع فالكلام من باب
لا ترى الضب بها ينجحر
ولم يقتصر على نفع الشفيع بل ضم إليه ما ضم ليقام انتفاء الموصوف مقام الشاهد على انتفاء الصفة فيكون ذلك الضم إزالة لتوهم وجود الموصوف حيث جعل انتفاؤه أمرا مسلما مشهورا لا نزاع فيه لأن الدليل ينبغي أن يكون أوضح من المدلول وهذا كما تقول لمن عاتبك على القعود عن الغزو مالي فرس أركبه وما معي سلاح أحارب به فليفهم والضمائر المذكورة من قوله تعالى : وأنذرهم إلى هنا إن كانت للكفار كما هو للظاهر فوضع الظالمين موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بالظلم وتعليل الحكم وإن كانت عامة لهم ولغيرهم فليس هذا من باب وضع الظاهر موضع الضمير وإنما هو بيان حكم للظالمين بخصوصهم والمراد بهم الكاملون في الظلم وهم الكافرون لقوله تعالى : إن الشرك لظلم عظيم يعلم خائنة الأعين أي النظرة الخائنة كالنظرة إلى غير المحرم واستراق النظر إليه وغير ذلك فخائنة صفة لموصوف مقدر وجعل النظرة خائنة إسناد مجازي أو استعارة مصرحة أو مكنية وتخييلية ويجعل النظر بمنزلة شيء يسرق من المنظور إليه ولذا عبر فيه بالإستراق ويجوز أن يكون خائنة مصدرا كالكاذبة والعاقبة والعافية أي يعلم سبحانه خيانة الأعين وقيل وصف مضاف إلى موصوفه كما في قوله :
سيقت كرام الناس فأسقينا
أي يعلم سبحانه الأعين الخائنة ولا يحسن ذلك لقوله تعالى : وما تخفي الصدور
19
- أي والذي تخفيه الصدور من الضمائر أو إخفاء الصدور لما تخفيه من ذلك لأن الملاءمة واجبة الرعاية في علم البيان وملائم الأعين الخائنة الصدور المخفية وما قيل في عدم حسن ذلك من أن مقام المبالغة يقتضي أن يراد استراق العين ضم إليه هذه القرينة أولا فغير قادح في التعليل المذكور إذ لا مانع من أن يكون على مطلوب دلائل ثم لولا القرينة لجاز أن تجعل الأعين تمهيدا للوصف فالقرينة هي المانعة وهذه الجملة على ما في الكشاف متصلة بأول الكلام خبر من أخبار هو في قوله تعالى : هو الذي يريكم على معنى هو الذي يريكم الخ وهو يعلم خائنة الأعين ولم يجعله تعليلا لنفي الشفاعة على معنى ما لهم من شفيع لأن الله تعالى يعلم منهم الخيانة سرا وعلانية قيل : لأنه لا يصلح تعليلا لنفيها بل لنفي قبولها فإن الله تعالى هو العالم لا الشفيع والمقصود نفي الشفاعة ووجه تقرير هذا الخبر في هذا الموضع ما فيه من التخلص إلى ذم آلهتهم مع أن تقديمه على الذي يريكم لا وجه له لتعلقه بما قبله أشد التعلق كما أشير إليه وكذلك على رفيع الدرجات لاتصاله بالسابق وأمر المنيبين بالإخلاص ولما فيه من النبو من توسيط المنكر الفعلي بين المبتدأ وخبره المعرف الإسمي وأما توسيطه بين القرائن الثلاث فبين العصا

الصفحة 59