كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)

ما ذكر كما يظهر بادنى التفات أردف بقوله تعالى : أليس الله بكاف عبده وحيث أن مطمح النظر من العباد السيد الحبيب صلى الله عليه و سلم كان المعنى الله تعالى يجازي عبده ونبيه عليه الصلاة و السلام هذا الجزاء المذكور وفيه أنه الذي يجزيه البتة ويلائمه قوله تعالى : ويخوفونك فإنه لما كان في مقابلة ذم آلهتهم كما سمعت في سبب النزول كان تحذيرا من جزاء الآلهة فلا مغمز بعدم الملائمة نعم لا ننكر أن معنى الكفاية أبلغ كما هو مقتضى القراءة المشهورة فاعلم ذاك والله تعالى يتولى هداك
ومن يضلل الله حتى غفل عن كفايته تعالى عبده وخوف بما لا ينفع ولا يضر أصلا فماله من هاد
36
- يهديه إلى خير ما ومن يهد الله فيجعل كونه تعالى كافيا نصب عينه عاملا بمقتضاه فما له من مضل يصرفه عن مقصده أو يصيبه بسوء يخل بسلوكه إذ لا راد لفعله ولا معارض لإرادته عز و جل كما ينطق به قوله تعالى : أليس الله بعزيز غالب لا يغالب منيع لا يمانع ولا ينازع ذي انتقام
37
- ينتقم من أعدائه لأوليائه وإظهار الإسم الجليل في موضع الإضمار لتحقيق مضمون الكلام وتربية المهابة
ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله لظهور الدليل ووضوح السبيل فقد تقرر في العقول وجوب انتهاء الممكنات إلى واجب الوجود والإسم الجليل فاعل لفعل محذوف أي خلقهن الله قل تبكيتا لهم أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني بضر هل من كاشفات ضره أي إذا كان خالق العالم العلوي والسفلي هو الله عز و جل كما أقررتم فأخبروني أن آلهتكم إن أرادني الله سبحانه بضر هل يكشفن عني ذلك الضر فالفاء واقعة في جواب شرط مقدر وقال بعضهم : التقدير إذا لم يكن خالق سواه تعالى فهل يمكن غيره كشف ما أراد من الضر وجوز أن تكون عاطفة على مقدر أي أتفكرتم بعد ما أقررتم فرأيتم ما تدعون الخ أو أرادني برحمة أي أو إن أرادني بنفع هل هن ممسكات رحمته فيمنعها سبحانه عني وقرأ الأعرج وشيبة وعمرو بن عبيد وعيسى بخلاف عنه وأبو عمرو وأبو بكر كاشفات وممسكات بالتنوين فيهما ونصب ما بعدهما وتعليق إرادة الضر والرحمة بنفسه النفسية عليه الصلاة و السلام للرد في نحورهم حيث كانوا خوفوه معرة الأوثان ولما فيه من الإيذان بإمحاض النصيحة وقدم الضر لأن دفعه أهم وقيل : كاشفات وممسكات على ما يصفونها به من الأنوثة تنبيها على كمال ضعفها قل حسبي الله كافي جل شأنه في جميع أموري من إصابة الخير ودفع الشر وروي عن مقاتل أنه صلى الله عليه و سلم لما سألهم سكتوا فنزل ذلك
عليه يتوكل لا على غيره في كل شيء المتوكلون
38
- لعلمهم أن كل ما سواه تحت ملكوته تعالى
قل يا قوم اعملوا على مكانتكم على حالتكم التي أنتم عليها من العداوة التي تمكنتم فيها فإن المكانة نقلت من المكان المحسوس إلى الحالة التي عليها الشخص واستعيرت لها استعارة محسوس لمعقول وهذا كما تستعار حيث وهنا للزمان بجامع الشمول والإحاطة وجوز أن يكون المعنى اعملوا على حسب تمكنكم واستطاعتكم
وروي عن عاصم مكاناتكم بالجمع والأمر للتهديد وقوله تعالى : إني عامل وعيد لهم وإطلاقه لزيادة الوعيد لأنه لو قيل : على مكانتي لتراءى أنه عليه الصلاة و السلام على حالة واحدة لا تتغير ولا تزداد فلما

الصفحة 6