كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)

ولحائها فلا موضع له أحق من هذا ولا يضر البعد اللفظي في مثل ذلك كما لا يخفى وظن بعضهم ضرره فمنهم من قال : الجملة متصلة بمجموع قوله عز و جل : وأنذرهم يوم الآزفة إلى آخره وذلك أنه سبحانه لما أمر بإنذار ذلك اليوم وما يعرض فيه من شدة الكرب والغم وذكر تعالى أن الظالم لا يجد من يحميه من ذلك ولا من يشفع له ذكر جل وعلا إطلاعه على جميع ما يصدر من العبد وأنه مجازي بما عمل ليكون على حذر من ذلك اليوم إذا غلم أن الله تعالى مطلع على أعماله وإلى هذا ذهب أبو حيان
وقال ابن عطية : هي متصلة بقوله تعالى : سريع الحساب لأن سرعة حسابه تعالى للخلق إنما هي لعلمه تعالى الذي لا يحتاج معه إلى روية وفكر ولا لشيء مما يحتاجه المحاسبون وحكى رحمه الله تعالى عن فرقة أنها متصلة بقوله تعالى : لا يخفى على الله منهم شيء ثم قال : وهذا قول حسن يقويه تناسب المعنيين ويضعفه البعد وكثرة الحائل وجعلها بعض متصلة بنفي قبول الشفاعة الذي تضمنه قوله تعالى : ولا شفيع يطاع فإن يطاع المنفي بمعنى تقبل شفاعته على أنها تعليل لذلك أي لا تقبل شفاعة شفيع لهم لأن الله تعالى يعلم منه الخيانة سرا وعلانية وليست تعليلا لنفي ليرد ما قيل ولا يخفى ما فيه ولعمري أن جار الله في مثل هذا المقام لا يجارى
والله يقضي بالحق أي والذي هذه صفاته يقضي قضاء ملتبسا بالحق لا بالباطل لاستغنائه سبحانه عن الظلم وتقديم المسند إليه للتقوى وجوز أن يكون للحصر وفائدة العدول عن المضمر إلى المظهر والإتيان بالاسم الجامع عقيب ذكر الأوصاف ما أشير إليه من إرادة الموصوف بتلك الصفات
والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء تهكم بآلهتهم لأن الجماد لا يقال فيه يقضى أو لا يقضى وجعله بعضهم من باب المشاكلة وأصله لا يقدرون على شيء واختير الأول قيل لأن التهكم أبلغ لأنه ليس المقصود الإستدلال على عدم صلاحيتهم للإلهية
وقرأ أبو جعفر وشيبة ونافع بخلاف عنه وهشام تدعون بتاء الخطاب على الإلتفات وجوز أن يكون على إضمار قل فلا يكون التفاتا وإن عبر عنه بالغيبة قبله لأنه ليبس على خلاف مقتضى الظاهر إذ هو ابتداء كلام مبني على خطابهم إن الله هو السميع البصير
20
- تقرير لعلمه تعالى بخائنة الأعين وما تخفي الصدور وقضاؤه سبحانه بالحق ووعيد لهم على ما يقولون ويغفلون وتعريض بحال ما يدعون من دونه عز و جل وفيه إشارة إلى أن القاضي ينبغي أن يكون سميعا بصيرا أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم أي مآل حال الذين كذبوا الرسل عليهم السلام قبلهم كعاد وثمود و ينظروا مجزوم على أنه معطوف على يسيروا وجوز أبو حيان كونه منصوبا في جواب النفي كما في قوله :
ألم تسأل فتخبرك الرسوم
وتعقب بأنه لا يصح تقديره بأن لم يسيروا ينظروا وأجيب بأن الإستفهام إنكاري وهو في معنى النفي فيكون جواب نفي النفي كانوا هم أشد منهم قوة قدرة وتمكنا من التصرفات والضمير المنفصل تأكيد للضمير المتصل قبله وجوز كونه ضمير فصل ولا يتعين وقوعه بين معرفتين فقد أجاز الجرجاني وقوع المضارع بعده كما في قوله تعالى إنه هو يبديء ويعيد نعم الأصل الأكثر فيه ذلك على أن أفعل التفضيل الواقع بعده من الداخلة على المفضل عليه مضارع للمعرفة لفظا في عدم دخول أل عليه ومعنى لأن المراد به الأفضل باعتبار أفضلية معينة

الصفحة 60