كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)

وجملة كانوا الخ مستأنفة في جواب كيف صارت أمورهم وقرأ ابن عامر منكم بضمير الخطاب على الإلتفات
وآثارا في الأرض عطف على قوة أي وأشد آثارا في الأرض مثل القلاع المحكمة والمدائن الحصينة وقد حكى الله تعالى عن قوم منهم أنهم كانوا ينحتون من الجبال بيوتا
وجوز كونه عطفا على أشد بتقدير محذوف أي وأكثر آثارا فتشمل الآثار القوية وغيرها وهو ارتكاب خلاف المتبادر من غير حاجة يعتد بها وقيل : المراد بهذه الآثار أقدامهم في الأرض لعظم أجرامهم وليس بشيء أصلا فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق
21
- أي وليس لهم واق من الله تعالى يقيهم ويمنع عنهم عذابه تعالى أبدا فكان للإستمرار والمراد استمرار النفي لا نفي الإستمرار وفي الثانية زائدة ومن الأولى متعلقة بواق وقدم الجار والمجرور للإهتمام والفاصلة لأن اسم الله تعالى قيل : لم يقع مقطعا للفواصل وجوز أن تكون من الأولى للبدلية أي ما كان لهم بدلا من المتصف بصفات الكمال واق وأريد بذلك شركاؤهم وأن تكون ابتدائية تنبيها على أن الأخذ في غاية العنف لأنه إذا لم يبتديء من جهته سبحانه واقية لم يكن لهم باقية ذلك الأخذ بأنهم أي بسبب أنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات بالمعجزات والأحكام الواضحة فكفروا ريثما أتتهم رسلهم بذلك فأخذهم الله إنه قوي متمكن مما يريده عز و جل غاية التمكن شديد العقاب
22
- لا يعتد بعقاب عند عقابه سبحانه وهذا بيان للإجمال في قوله تعالى : فأخذهم الله بذنوبهم إن كانت الباء هناك سببية وبيان لسبب الأخذ إن كانت للملابسة أي أخذهم ملابسين لذنوبهم غير تائبين عنها فتأمل ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وهي معجزاته عليه السلام وسلطان مبين
23
- حجة قاهرة ظاهرة والمراد بذلك قيل ما أريد بالآيات ونزل تغاير الوصفين منزلة تغاير الذاتين فعطف الثاني على الأول وقيل : المراد بعض من آياته له شأن كالعصا وعطف عليها تفخيما لشأنه كما عطف جبريل وميكائيل عليهما السلام على الملائكة
وتعقب بأن مثله إنما يكون إذا غير الثاني بعلم أو نحوه أما مع إبهامه ففيه نظر وحكى الطبرسي أن المراد بالآيات حجج التوحيد وبالسلطان المعجزات الدالة على نبوته عليه السلام وقيل الآيات المعجزات والسلطان ما أوتيه عليه السلام من القوة القدسية وظهورها باعتبار ظهور آثارها من الإقدام على الدعوة من غير اكتراث وقرأ عيسى سلطان بضم اللام إلى فرعون وهامان وزير فرعون وزعم اليهود أنه لم يكن لفرعون وزير يدعى هامان وإنما هامان ظالم جاء بعد فرعون بزمان مديد ودهر داهر نفي جاءهم من اختلال أمر كتبهم وتواريخ فرعون لطول العهد وكثرة المحن التي ابتلوا بها فاضمحلت منها أنفسهم وكتبهم
وقارون قيل هو الذي كان من قوم موسى عليه السلام وقيل : هو غيره وكان مقدم جنود فرعون وذكرهما من بين أتباع فرعون لمكانتهما في الكفر وكونهما أشهر الأتباع
وفي ذكر قصة الإرسال إلى فرعون ومن معه وتفصيل ما جرى تسلية لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وبيان لعاقبة من هو أشد الذين كانوا من قبل وأقربهم زمانا ولذا خص

الصفحة 61