كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)

في المصباح من باب قتل يتعدى إلى مفعولين ويجوز زيادة من المفعول الأول فيقال : كتمت من زيد الحديث كما يقال : بعته الدار وبعتها منه نعم تعلقه بذلك خلاف الظاهر بل الظاهر تعلقه بمحذوف وقع صفة ثانية لرجل والظاهر على هذا كونه من آل فرعون حقيقة وفي كلامه المحكي عنه بعد ما هو ظاهر في ذلك واسمه قيل : شمعان بشين معجمة وقيل : خربيل بخاء معجمة مكسورة وراء مهملة ساكنة وقيل : حزبيل بحاء مهملة وزاي معجمة وقيل : حبيب
وقرأ عيسى وعبد الوارث وعبيد بن عقيل وحمزة بن القاسم عن أبي عمرو رجل بسكون الجيم وهي لغة تميم ونجد أتقتلون رجلا أي أتقصدون قتله فهو مجاز ذكر فيه المسبب وأريد السبب وكون الإنكار لا يقتضي الوقوع لا يصححه من غير تجوز أن يقول ربي الله أي لأن يقول ذلك وقد جاءكم بالبينات الشاهدة على صدقه من المعجزات والإستدلالات الكثيرة وجمع المؤنث السالم وإن شاع أنه للقلة لكنه إذا دخلت عليه أل يفيد الكثرة بمعونة المقام والجملة حالية من الفاعل أو المفعول وهذا إنكار من ذلك الرجل عظيم وتبكيت لهم شديد كأنه قال : أترتكبون الفعلة الشنعاء التي هي قتل نفس محرمة وما لكم عليه في ارتكابها إلا كلمة الحق التي نطق بها وهي قوله : ربي الله مع أنه قد جاءكم بالبينات من ربكم أي من عند من نسب إليه الربوبية وهو ربكم لا ربه وحده وهذا استدراج إلى الأعتراف وفي أن يقول ربي الله إلى من ربكم نكتة جليلة وهي أن من يقول ربي الله أو فلان لا يقتضي أن يقابل بالقتل كما لا تقابلون بالقتل إذا قلتم : ربنا فرعون كيف وقد جعل ربه من هو ربكم فكان عليكم بأن تعزروه وتوقروه لا أن تخذلوه وتقتلوه وجوز الزمخشري كون أن يقول على تقدير مضاف أي وقت أن يقول فحذف الظرف فانتصب المضاف إليه على الظرفية لقيامه مقامه والمعنى أتقتلونه ساعة سمعتم منه القول من غير رؤية ولا فكر في أمره ورده أبو حيان بأن القائم مقام الظرف لا يكون إلا المصدر الصريح كجئت صياح الديك أو ما كان بما الدوامية دون الغير الصريح كجئت أن صاح أو أن يصيح الديك وفيه أن ابن جني كالزمخشري صرح بالجواز وكل إمام ثم أن الرجل احتاط لنفسه خشية أن يعرض اللعين حقيقة أمره فيبطش به فتلطف في الإحتجاج فقال : وإن يك كاذبا فعليه كذبه لا يتخطاه وبال كذبه فيحتاج في دفعه إلى قتله وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم فلا أقل من أن يصيبكم بعض الذي يعدكم أو يعدكموه وفيه مبالغة في التحذير فإنه إذا حذرهم من إصابة البعض أفاد أنه مهلك مخوف فما بال الكل وإظهار للإنصاف وعدم التعجب ولذا قدم احتمال كونه كاذبا وقيل : المراد يصبكم ما يعدكم من عذاب الدنيا وهو بعض مواعيده كأنه خوفهم بما هو أظهر احتمالا عندهم وقيل : بعض بمعنى كل وأنشدوا لذلك قول عمرو القطامي : قد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلل وذهب الزجاج إلى أن بعض فيه على ظاهره والمراد إلزام الحجة وإبانة فضل المتأني على المستعجل بما لا يقدر الخصم أن يدفعه فالبيت كالآية على الوجه الأول وأنشدوا المجيء بمعنى كل قول الشاعر : إن الأمور إذا الأحداث دبرها دون الشيوخ فرى في بعضها خللا

الصفحة 64