كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)

ولا يتعين فيه ذلك كما لا يخفى وعن أبي عبيدة أنه فسر البعض بالكل أيضا وأنشد قول لبيد : تراك أمكنة إذا لم أرضها أو يرتبط بعض بعض النفوس حمامها حمل البيت على معنى لا أزال أنتقل في البلاد إلى أن لا يبقى أحد أقصده من العباد والمحققون على أن البعض فيه على ظاهره والمراد به نفسه والمعنى لا أزال أترك مالم أرضه من الأمكنة إلا أن أموت وقال الزمخشري : إن صحت الرواية عن أبي عبيدة في ذلك فقد حق فيه قول المازني في مسئلة العلقي أجفى من أن يفقه ما أقول له وفيه مبالغة في الرد أن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب
28
- احتجاج آخر ذو وجهين أحدهما أنه لو كان مسرفا كذابا لما هداه الله تعالى إلى البينات ولما عضده بتلك المعجزات وثانيهما إن كان كذلك خذله الله تعالى وأهلكه فلا حاجة لكم إلى قتله ولعله أراد الأول وأوهمهم أنه أراد الثاني لتلين شكيمتهم وعرض لفرعون بأنه مسرف أي في القتل والفساد كذاب في ادعاء الربوبية لا يهديه الله تعالى سبيل الصواب ومنهاج النجاة فالجملة مستأنفة متعلقة بالشرطية الأولى أو بالثانية أو بهما يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين غالبين عالين على بني إسرائيل في الأرض أي في أرض مصر لا يقاومكم أحد في هذا الوقت فمن ينصرنا من بأس الله من أخذه وعذابه سبحانه إن جاءنا أي فلا تفسدوا أمركم ولا تتعرضوا لبأس الله تعالى بقتله فإنه إن جاءنا لم يمنعنا منه أحد فالفاء في فمن الخ فصيحة والإستفهام إنكاري وإنما نسب ما يسرهم من الملك والظهور في الأرض إليهم خاصة ونظم نفسه في سلكهم فيما يسؤهم مجيء بأس الله تعالى تطييبا لقلوبهم إيذانا بأنه مناصح لهم ساع في تحصيل ما يجديهم ودفع ما يرديهم سعيه في حق نفسه ليتأثروا بنصحه
قال فرعون بعدما سمع ذلك ما أريكم أي ما أشير عليكم ألا ما أرى إلا الذي أراه وأستصوبه من قتله يعني لا أستوصب إلا قتله وهذا الذي تقولونه غير صواب وما أهديكم بهذا الرأي إلا سبيل الرشاد
29
- طريق الصواب والصلاح أو ما أعلمكم إلا ما أعلم من الصواب ولا أدخر منه شيئا ولا أسر عنكم خلاف ما أظهر يعني أن لسانه وقلبه متوطئان على ما يقول وقد كذب عدو الله فقد كان مستشعرا للخوف الشديد من جهة موسى عليه السلام لكنه كان يتجلد ولو لا استشعاره لم يستر أحدا وعن معاذ بن جبل والحسن أنهما قرءا الرشاد بشد الشين على أنه فعال للمبالغة من رشد بالكسر كعلام من علم أو من رشد بالفتح كعباد من عبد
وقيل : هو من أرشد المزيد كجبار من أجبر وتعقب بأن فعالا لم يجيء من المزيد إلا في عدة أحرف نحو جبار ودراك وقصار وسآر ولا يحسن القياس على القليل مع أنه ثبت في بعضه كجبار سماع الثلاثي فلا يتعين كونه من المزيد فقد جاء جبره على كذا كأجبره وقصار كجبار عند بعض لا يتعين كونه من أقصر لمجيء قصر عن الشيء كأقصر عنه وحكي عن الجوهري أن الإقصار كف مع قدرة والقصر كف مع عجز فلا يتم هذا عليه وأما دراك وسآر فقد خرجا على حذف الزيادة تقديرا لا استعمالا كما قالوا : ابقل المكان فهو باقل وأورس الرمث فهو وارس قال ابن جني : وعلى هذا خرج الرشاد فيكون من رشد بمعنى أرشد تقديرا لا استعمالا فإن المعنى على ذلك ثم قال : فإن قيل إذا كان المعنى على أرشد فكيف أجزت أن يكون من رشد المكسور أو من

الصفحة 65