كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)
الظلم بعيدا كان عن الظلم نفسه أبعد وحيث نكر الظلم كأنه نفي أن يريد ظلما لعباده وجوز الزمخشري أن يكون معناه كمعنى قوله تعالى : ولا يرضى لعباده الكفر أي لا يريد سبحانه لهم أن يظلموا يعني أنه عز و جل دمرهم لأنهم كانوا ظالمين ولا يخفى أن هذا المعنى مرجوح لفظا ومعنى ثم لا حجة للمعتزلة لثبوت الفرق بين إراده منه وإراده له فلو سلم أنه سبحانه لا يريد لهم أن يظلموا لم يلزم أن لا يريده منهم والممتنع عند أهل السنة هو هذا فلا يحتاج إلى صرف الآية عن الظاهر عندهم أيضا
ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد
32
- خوفهم بالعذاب الأخروي بعد تخويفهم بالعذاب الدنيوي والتناد مصدر تنادي القوم أي نادى بعضهم بعضا ويوم التناد يوم القيامة سمي بذلك لأنه ينادي فيه بعضهم بعضا للإستغاثة أو يتصايحون فيه بالويل والثبور أو لتنادي أهل الجنة وأهل النار كما حكى في سورة الأعراف أو لأن الخلق ينادون إلى المحشر أو لنداء المؤمن هاؤم اقرؤا كتابيه والكافر ليتني لم أوت كتابيه
وعن ابن عباس أن هذا التنادي الذي يكون بين الناس عند النفخ في الصور ونفخة الفزع في الدنيا وإنهم يفرون على وجوههم للفزع الذي نالهم وينادي بعضهم بعضا وروي هذا عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقال ابن عطية : يحتمل أن يراد التذكير بكل نداء في القيامة فيه مشقة على الكفار والعصاة
وقرأت فرقة التناد بسكون الدال في الوصل إجراء له مجرى الوقف وقرأ ابن عباس والضحاك وأبو صالح والكلبي والزعفراني وابن مقسم التناد بتشديد الدال من ند البعير إذا هرب أي يوم الهرب والفرار لقوله تعالى : يوم يفر المرء من أخيه الآية وفي الحديث أن للناس جولة يوم القيامة يندون يظنون أنهم يجدون مهربا
وقيل : المراد به يوم الإجتماع من ندا إذا اجتمع ومنه النادي يوم تولون مدبرين بدل من يوم التناد أي يوم تولون عن الموقف منصرفين عنه إلى النار وقيل : فارين من النار فقد روي أنهم إذا سمعوا زفير النار هربوا فلا يأتون قطرا من الأقطار إلا وجدوا ملائكة صفوفا فلا ينفعهم الهرب ورجح هذا القول بأنه أتم فائدة وأظهر ارتباطا بقوله تعالى : ما لكم من الله من عاصم أي يعصمكم في فراركم حتى لا تعذبوا في النار قاله السدي وقال قتادة : أي مالكم في الإنطلاق إلى النار من مانع يمنعكم منها أو ناصر وهذا ما يقال على المعنى الأول ليوم تولون مدبرين وأيا ما كان فالجملة حال أخرى من ضمير تولون
ومن يضلل الله فما له من هاد
33
- يهديه إلى طريق النجاة أصلا وكأن الرجل يئس من قبولهم نصحه فقال ذلك ثم وبخهم على تكذيب الرسل السالفين فقال : ولقد جاءكم يوسف بن يعقوب عليهما السلام من قبل أي من قبل موسى بالبينات الأمور الظاهرة الدالة على صدقه فما زلتم في شك مما جاءكم به من الدين حتى إذا هلك بالموت قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا غاية لقوله فما زلتم وأرادوا بقولهم لن يبعث الله من بعده رسولا تكذيب رسالته ورسالة غيره أي لا رسول فيبعث فهم بعد الشك بتوا بهذا التكذيب ويكون ذلك ترقيا
ويجوز أن يكون الشك في رسالته على حاله وبتهم إنما هو بتكذيب رسالة غيره من بعده وقيل : يحتمل أن يكونوا أظهروا الشك في حياته حسدا وعنادا فلكا مات عليه السلام أقروا بها وأنكروا أن يبعث