كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)
الله تعالى من بعده رسولا وهو خلاف الظاهر ومجيء يوسف بن يعقوب عليهما السلام المخاطبين بالبينات قيل : من باب نسبة أحوال الآباء إلى الأولاد وكذلك نسبة الأفعال الباقية إليهم وجوز كون بعض الذين جاءهم يوسف عليه السلام حقيقة حيا ففي بعض التواريخ أن وفاة يوسف عليه السلام قبل مولد موسى عليه السلام بأربع وستين سنة فيكون من نسبة حال البعض إلى الكل واستظهر في البحر أن فرعون يوسف عليه السلام هو فرعون موسى عليه السلام وذكر عن أشهب عن مالك أنه بلغه أنه عمر أربعمائة وأربعين سنة والذي ذكره أغلب المؤرخين أن فرعون موسى اسمه الريان وفرعون يوسف اسمه الوليد
وذكر القرطبي أن فرعون الأول من العمالقة وهذا قبطي وفرعون يوسف عليه السلام مات في زمنه واختار القول بتغايرهما وأمر المجيء وما معه من الأفعال على ما سمعت وقيل : المراد بيوسف المذكور هو يوسف بن إبراهيم بن يوسف الصديق أرسله الله تعالى نبيا فأقام فيهم عشرين سنة وكان من أمرهم ما قص الله عز و جل ومن الغريب جدا ما حكاه النقاش وروي أن يوسف المذكور في هذه السورة من الجن بعثه الله تعالى رسولا إليهم نقله الجلال السيوطي في الإتقال ولا يقبله من له أدنى إتقان نعم القول بأن للجن نبيا منهم اسمه يوسف أيضا مما عسى أن يقبل كما لا يخفى
وقريء ألن يبعث بإدخال همزة الإستفهام على حرف النفي كأن بعضهم يقرر بعضا على نفي البعثة
كذلك أي مثل ذلك الإضلال الفظيع يضل الله من هو مسرف في العصيان مرتاب
34
- في دينه شاك فيما تشهد به البينات لغلبة الوهم والإنهماك في التقليد الذين يجادلون في آيات الله بدل من الوصول الأول أعني من أو بيان أو صفة له باعتبار معناه كأنه قيل : كل مسرف مرتاب أو المسرفين المرتابين وجوز نصبه بأعني مقدرا وقوله تعالى شأنه : بغير سلطان على الأوجه المذكورة متعلق بيجادلون وقوله سبحانه : أتاهم صفة سلطان والمراد بإتيانه إتيانه من جهته سبحانه وتعالى إما على أيدي الرسل عليهم السلام فيكون ذاك إشارة إلى الدليل النقلي وإما بطريق الإفاضة على عقولهم فيكون ذاك إشارة إلى الدليل العقلي وقد يعمم فيكون يجادلون بغير حجة صالحة للتمسك بها أصلا لا عقلية ولا نقلية
وقوله سبحانه : كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا تقرير لما أشعر به الكلام من ذمهم وفيه ضرب من التعجب والإستعظام وفاعل كبر ضمير راجع إلى الجدال الدال عليه يجادلون على نحو من كذب كان شرا له أي كبر الجدال في آيات الله بغير حجة مقتا عند الله الخ أو إلى الموصول الأول وأفرد رعاية للفظه واعترض عليه بأنه حمل على اللفظ من بعد الحمل على المعنى وأهل العربية يجتنبونه
وقال صاحب الكشف : هذا شيء نقله ابن الحاجب ولم يساعده غيره وهو غير مسلم أي كبر المسرف المرتاب المجادل في آيات الله بغير حجة مقتا أي كبر مقته وعظم عند الله تعالى وعند المؤمنين كذلك أي مثل ذلك الطبع الفظيع يطبع الله على كل قلب متكبر جبار
35
- فيصدر عنه أمثال ما ذكر من الإسراف والإرتياب والمجادلة بغير حق وجوز أن يكون الذين مبتدأ وجملة كبر خبره لكن على حذف مضاف هو المخبر عنه حقيقة أي جدال الذين يجادلون أكبر مقتا وأن يكون الذين مبتدأ على حذف المضاف وبغير سلطان