كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)

خبر المضاف المقدر أي جدال الذين يجادلون في آيات الله تعالى كائن بغير سلطان وظاهر كلام البعض من الذين مبتدأ من غير حذف مضاف و بغير سلطان خبره وفيه على الذات والجثة بالظرف وفاعل كبر كذلك على مذهب من يرى أسمية الكاف كالأخفش أي كبر مقتا مثل ذلك الجدال فيكون قوله تعالى : يطبع الخ استئنافا للدلالة على الموجب لجدالهم ولا يخفى ما في ذلك من العدول عن الظاهر وفي البحر الأولى في إعراب هذا الكلام أن يكون الذين مبتدأ وخبره كبر والفاعل ضمير المصدر المفهوم من يجادلون أي الذين يجادلون كبر جدالهم مقتا فتأمل
وقرأ أبو عمرو وابن ذكوان والأعرج بخلاف عنه قلب بالتنوين فما بعده صفته ووصفه بالكبر والتجبر لأنه منبعهما كقولهم : رأت عيني وسمعت أذني وجوز أن يكون ذاك على حذف مضاف أي كل ذي قلب متكبر جبار وجعل الصفتين لصاحب القلب لتتوافق القراءتان هذه وقراءة باقي السبعة بلا تنوين وعن مقاتل المتكبر المعاند في تنظيم أمر الله تعالى والجبار المتسلط على خلق الله تعالى والظاهر أن عموم كل منسحب على المتكبر والجبار أيضا فكأنه اعتبر أولا إضافة قلب إلى ما بعده ثم اعتبرت إضافته إلى المجموع
وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا بناء مكشوفا عاليا من صرح الشيء إذا ظهر لعلي أبلغ الأسباب
36
- أي الطرق كما روي عن السدي وقال قتادة : الأبواب وهي جمع سبب ويطلق على كل ما يتوصل به إلى شيء أسباب السماوات بيان لها وفي إبهامها ثم إيضاحها تفخيم لشأنها وتشويق للسامع إلى معرفتها
فاطلع إلى إله موسى بالنصب على جواب الترجي عند الكوفيين فإنهم يجوزون النصب بعد الفاء في جواب الترجي كالتمني ومنع ذلك البصريون وخرجوا النصب هنا على أنه في جواب الأمر وهو ابن كما في قوله : يا ناق سيري عنقا فسيحا إلى سليمان فنستريحا وجوز أن يكون بالعطف على خبر لعلي بتوهم أن فيه لأنه كثيرا ما جاء مقرورنا بها أو على الأسباب على حد
ولبس عباءة وتقر عيني
وقال بعض : إن هذا الترجي تمني في الحقيقة لكن أخرجه اللعين هذا المخرج تمويها على سامعيه فكان النصب في جواب التمني والظاهر أن البصريين لا يفرقون بين ترج وترج وقرأ الجمهور بالرفع عطفا على أبلغ قيل : ولعله أراد أن يبني له رصدا في موضع عال يرصد منه أحوال الكواكب التي هي أسباب سماوية تدل على الحوادث الأرضية فيرى هل فيها ما يدل على إرسال الله تعالى إياه وهذا يدل على أنه مقر بالله عز و جل وإنما طلب ما يزيل شكه في الرسالة وكان للعين وأهل عصره اعتناء بالنجوم وأحكامها على ما قيل
وهذا الأحتمال في غاية البعد عندي وقيل : أراد أن يعلم الناس بفساد قول موسى عليه السلام : إني رسول من رب السماوات بأنه كان رسولا منه فهو ممن يصل إليه بالصعود للسماء وهو محال فما بني عليه مثله ومنشأ ذلك جهله بالله تعالى وظنه أنه سبحانه مستقر في السماء وأن رسله كرسل الملوك يلاقونه ويصلون إلى مقره وهو عز و جل منزه عن صفات المحدثات والأجسام ولا تحتاج إلى ما تحتاج إليه رسل الملوك رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام وهذا نفي لرسالته من الله تعالى ولا تعرض فيه لنفي الصائغ المرسل له وقال الإمام : الذي عندي في تفسير الآية أن فرعون كان من الدهرية وغرضه من هذا الكلام إيراد شبهة في نفي الصانع وتقريره أنه قال : أنا لا نرى شيئا نحكم عليه بأنه إله العالم فلم يجز إثبات هذا الإله أما أنا لا نراه فلأنه لو كان موجودا لكان في السماء

الصفحة 69