كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)
أطلق أشعر بأن له صلى الله تعالى عليه وسلم كل زمان مكانة أخرى وأنه لا يزال يزداد قوة بنصر الله تعالى وتأييده ويؤيد ذلك قوله تعالى : فسوف تعلمون
39
- فإنه دال على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم منصور عليهم في الدنيا والآحرة بدليل قوله تعالى : من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم
40
- فإن الأول إشارة إلى العذاب الدنيوي وقد نالهم يوم بدر والثاني إشارة إلىى العذاب الأخروي فإن العذاب المقيم عذاب النار فلو قيل إني عامل على مكانتي وكان إذ ذاك غير غالب بل الأمر بالعكس لم يلائم المقصود و من تحتمل الإستفهامية والموصولية وجملة يخزيه صفة عذاب والمراد بمقيم دائم وفي الكلام مجاز في الظرف أو الإسناد وأصله مقيم صاحبه إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس لأجلهم فإن مناط مصالحهم في المعاش والمعاد بالحق حال من مفعول أنزلنا أو من فاعله أي أنزلنا الكتاب ملتبسا أو ملتبسين بالحق فمن اهتدى بأن عمل بما فيه فلنفسه إذ نفع به نفسه ومن ضل بأن لم يعمل بموجبه فإنما يضل عليها لما أن وبال ضلاله مقصور عليها وما أنت عليهم بوكيل
41
- لتجبرهم على الهدى وما وظيفتك إلا البلاغ وقد بلغت أي بلاغ
الله يتوفى الأنفس أي يقبضها عن الإبدان بأن يقطع تعلقها تعلق التصرف فيها عنها حين موتها أي في وقت موتها والتي لم تمت أي ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها متعلق بيتوفى أي يتوفاها في وقت نومها على أن مناما اسم زمان وجوز فيه كونه مصدرا ميميا بأن يقطع سبحانه تعلقها بالأبدان تعلق التصرف فيها عنها أيضا فتوفي الأنفس حين الموت وتوفيها في وقت النوم بمعنى قبضها عن الأبدان وقطع تعلقها بها تعلق التصرف إلا أن توفيها حين الموت لتعلقها بها تعلق التصرف ظاهرا وباطنا وتوفيها في وقت النوم قطع لذلك ظاهر فقط وكأن التوفي الذي يكون عند الموت لكونه شيئا واحدا في أول زمان الموت وبعد مضي أيام منه قيل : حين موتها والتوفي الذي يكون في وقت النوم لكونه يتفاوت في أول وقت النوم وبعد مضي زمان منه قوة وضعفا قيل : في منامها أي وقت نومها كذا قيل فتدبره ولمسلك الذهن السليم اتساع وإسناد الموت والنوم إلى الأنفس قيل : مجاز عقلي لأنهما حالا أبدانها لا حالاها وزعم الطبرسي أن الكلام على حذف مضاف أعني الأبدان وجعل الزمخشري الأنفس عبارة عن الجملة دون ما يقابل الأبدان وحمل توفيها على إماتتها وسلب صحة أجزائها بالكلية فلا تبقى حية حساسة دراكة حتى كان ذاتها قد سلبت وحيث لم يتحقق هذا المعنى في التوفي حين النوم لأنه ليس الأسلب كمال الصحة وما يترتب عليه من الحركات الإختيارية وغيرها قال في قوله تعالى : والتي لم تمت في منامها أي يتوفاها حين تنام تشبيها للنائمين بالموتى ومنه قوله تعالى : وهو الذي يتوفاكم بالليل حيث لا تميزون ولا تتصرفون كما أن الموتى كذلك وما يتخايل فيه من الجمع بين الحقيقة والمجاز يدفع بالتأمل وتقديم الإسم الجليل وبناء يتوفى عليه للحصر أو للتقوى أو لهما واعتبار الحصر أوفق بالمقام من اعتبار التقوى وحده أي الله يتوفى الأنفس حقيقة لا غيره عز و جل فيمسك التي أي الأنفس قضى في الأزل عليها الموت ولا يردها إلى أبدانها بل يبقيها على ما كانت عليه وينضم إلى ذلك قطع تعلق التصرف باطنا وعبر عن ذلك بالإمساك ليناسب التوفي