كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)
ونحن لا سبيل لنا إلى صعود السماوات فكيف يمكننا أن نراه وللمبالغة في بيان عدم الإمكان قال : يا هامان ابن لي صرحا فما هو إلا لإظهار عدم إمكان ما ذكر لكل أحد ولعل لا تأبى ذلك لأنها للتهكم على هذا وهي شبهة في غاية الفساد إذ لا يلزم من انتفاء أحد طرق العلم بالشيء انتفاء ذلك الشيء ورأيت لبعض السلفيين أن اللعين ما قال ذلك إلا لأنه سمع من موسى عليه السلام أو من أحد من المؤمنين وصف الله تعالى بالعلو أو بأنه سبحانه في السماء فحمله معنى مستحيل في حقه تعالى لم يرده موسى عليه السلام ولا أحد من المؤمنين فقال ما قال تهكما وتمويها على قومه وللإمام في هذا المقام كلام رد به القائلين بأن الله تعالى في السماء ورد احتجاجهم بما أشعرت به الآية على ذلك وسماهم المشبهة والبحث في ذلك طويل المجال والحق مع السلف عليهم رحمة الملك المتعال وحاشاهم ثم حاشاهم من التشبيه وقوله : وإني لأظنه كاذبا يحتمل أن يكون عني به كاذبا في دعوى الرسالة وأن يكون عني به كاذبا في دعوى أن له إلها غيري لقوله : ما علمت لكم من إله غيري
وكذلك أي ومثل ذلك التزيين البليغ المفرط زين لفرعون سوء عمله فانهمك فيه أنهماكا لا يرعوي عنه بحال وصد عن السبيل أي عن سبيل الرشاد فالتعريف للعهد والفعلان مبنيان للمفعول والفاعل في الحقيقة هو الله تعالى ولم يفعل سبحانه كلا من التزيين والصد إلا لأن فرعون طلبه بلسان استعداده واقتضى ذلك سوء اختياره ويدل على هذا أنه قريء زين مبنيا للفاعل ولم يسبق سوى ذكره تعالى دون الشيطان
وجوز أن يكون الفاعل الشيطان ونسبة الفعل إليه بواسطة الوسوسة وقرأ الحجازيان والشامي وأبو عمرو وصد بالبناء للفاعل وهو ضمير فرعون على أن المعنى وصد فرعون الناس عن سبيل الرشاد بأمثال هذه التمويهات والشبهات ويؤيده وما كيد فرعون إلا في تباب
37
- أي في خسار لأنه يشعر بتقدم ذكر للكيد وهو في هذه القراءة أظهر وقرأ ابن وثاب صد بكسر الصاد أصله صدد نقلت الحركة إلى الصاد بعد توهم حذفها وابن أبي إسحاق وعبد الرحمن بن أبي بكرة صد بفتح الصاد وضم الدال منونة عطفا على سوء عمله وقريء وصدوا بواو الجمع أي هو وقوعه وقال الذي آمن هو مؤمن آل فرعون وقيل : فيه نظير ما قيل في سابقه أنه موسى عليه السلام وهو ضعيف كما لا يخفى يا قوم اتبعون فيما دللتكم عليه أهدكم سبيل الرشاد
38
- سبيلا يصل به سالكه إلى المقصود وفيه تعريض بأن ما عليه فرعون وقوعه سبيل الغي وقرأ معاذ بن جبل كما في البحر الرشاد بتشديد الشين وتقدم الكلام في ذلك فلا تغفل يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع أي تمتع أو متمتع به يسير لسرعة زواله وإن الآخرة هي دار القرار
39
- لخلودها ودوام ما فيها من عمل سيئة في الدنيا فلا يجزى في الآخرة إلا مثلها عدلا من الله عز و جل واستدل به على أن الجنايات تغرم بمثلها أي بوزانها من غير مضاعفة ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك الذين عملوا ذلك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب
40
- بغير تقدير وموازنة بالعمل بل أضعافا مضاعفة فضلا منه تعالى ورحمة وقسم العمال إلى ذكر وأنثى للإهتمام والإحتياط في الشمول لاحتمال نقص الإناث وجعل الجزاء في جزاء أعمالهم جملة إسمية مصدرة باسم الإشارة مع تفضيل الثواب وتفصيله تغليبا للرحمة وترغيبا فيما