كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)
للدلالة على أن ما بعدها من نتائج ما قبلها من حيث أنه يقتضي قدرة ذاتية غير متوقفة على العدد والمراد وجوز فيها كونها تفصيلية وتعليلية أيضا فتدبر ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون
69
- تعجب من أحوالهم الشنيعة وآرائهم الركيكة وتمهيد لما يعقبه من بيان تكذيبهم بكل القرآن وبسائر الكتب والشرائع وترتيب الوعيد على ذلك كما أن ما سبق من قوله تعالى : إن الذين يجادلون الخ بيان لابتداء جدالهم على مبني فاسد لا يكاد يدخل تحت الوجود فلا تكرير فيه كذا في إرشاد العقل السليم
وقال القاضي : تكرير ذكر المجادلة لتعدد المجادل بأن يكون هناك قوما وهنا قوما آخرين أو المجادل فيه بأن يحمل في كل على معنى مناسب ففيما مر في البعث وهنا في التوحيد أو هو للتأكيد اهتماما بشأن ذلك واختار ما في الإرشاد أي انظر إلى هؤلاء المكابرين المجادلين في آياته تعالى الواضحة الموجبة للإيمان بها الزاجرة عن الجدال فيها كيف يصرفون عنها مع عاضد الدواعي إلى الإقبال عليها وانتفاء الصوارف عنها بالكلية
وقوله تعالى : الذين كذبوا بالكتاب أي بكل القرآن أو بجنس الكتب السماوية فإن تكذيبه تكذيب لها في محل الجر على أنه بدل من الموصوف الأول أو بيان أو صفة له أو في محل النصب على الذم أو في محل الرفع على أنه خبر محذوف أو مبتدأ خبره فسوف يعلمون وإنما وصل الموصول الثاني بالتكذيب دون المجادلة لأن المعتاد وقوع المجادلة في بعض المواد لا في الكل وصيغة الماضي للدلالة على التحقيق كما أن صيغة المضارع في الصلة الأولى للدلالة على تجدد المجادلة وتكررها وبما أرسلنا به رسلنا من سائر الكتب على الوجه الأول في تفسير الكتاب أو مطلق الوحي والشرائع على الوجه الثاني فيه
فسوف يعلمون
70
- كنه ما فعلوا من الجدال والتكذيب عند مشاهدتهم لعقوباته إذ الأغلال في أعناقهم ظرف ليعلمون والمعنى على الإستقبال والتعبير بلفظ المضي للدلالة على تحققه حتى كأنه ماض حقيقة فلا تنافر بين سوف وإذ والسلاسل عطف على الأغلال والجار والمجرور في نية التأخير كأنه قيل : إذ الأغلال والسلاسل في أعناقهم وقوله تعالى : يسبحون
71
- أي يجرون في الحميم حال من ضمير يعلمون أو ضمير في أعناقهم أو جملة مستأنفة لبيان حالهم بعد ذلك وجوز كون السلاسل مبتدأ أو جملة يسبحون خبره والعائد محذوف أي يسبحون بها
وجوز كون الأغلال مبتدأ والسلاسل عطف عليه والجملة خبر المبتدأ و في أعناقهم في موضع الحال ولا يخفى حاله وقرأ ابن مسعود وابن عباس وزيد بن علي وابن وثاب والسلاسل يسبحون بنصب السلاسل وبناء يسبحون للفاعل فيكون السلاسل مفعولا مقدما ليسبحون والجملة معطوفة على ما قبلها ولا بأس بالتفاوت إسمية وفعلية
وقرأ فرقة منهم ابن عباس في رواية والسلاسل بالجر وخرج ذلك الزجاج على الجر بخافض محذوف كما في قوله
أشارت كليب بالأكف الأصابع
أي وبالسلاسل كما قريء به أو في السلاسل كما في مصحف أبي والفراء على العطف بحسب المعنى إذ الأغلال في أعناقهم بمعنى أعناقهم في الأغلال ونظيره قوله : مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة
ولا نائب إلا ببين غرابها