كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)

الرحمن الرحيم من بين أسمائه للإيذان بأنه مدار للمصالح الدينية والدنيوية واقع بمقتضى الرحمة الربانية حسبما ينبيء عنه قوله تعالى : وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين وتفصيل آياته تمييزها لفظا بفواصلها ومقاطعها ومباديء السور وخواتمها ومعنى بكونها وعدا ووعيدا وقصصا وأحكاما إلى غير ذلك بل من أنصف علم أنه ليس في بدء الخلق كتاب اجتمع فيه من العلوم والمباحث المتباينة عبارة وإشارة مثل ما في القرآن وعن السدي فصلت آياته أي بينت ففصل بين حرامه وحلاله وزجره وأمره ووعده ووعيده وقال الحسن : فصلت بالوعد والوعيد وقال سفيان : بالثواب والعقاب وما ذكرنا أولا أعم ولعل ما ذكروه من باب التمثيل لا الحصر وقيل : المراد فصلت آياته في التنزيل أي لم تنزل جملة واحدة وليس بذاك وقريء فصلت بفتح الفاء والصاد مخففة أي فرقت بين الحق والباطل وقال ابن زيد : بين النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومن خالفه على أن فصل متعد أو فصل بعضها من بعض باختلاف الفواصل والمعاني على أن فصل لازم بمعنى لازم انفصل كما في قوله تعالى : فصلت العير
وقريء فصلت بضم الفاء وكسر الصاد مخففة على أنه مبني للمفعول والمعنى على ما مر قرآنا عربيا نصب على المدح بتقدير أعني أو أمدح أو نحوه أو على الحال فقيل : من كتاب لتخصهه بالصفة وقيل : من آياته وجوز في هذه الحال أن تكون مؤكدة لنفسها وأن تكون موطئة للحال بعدها وقيل : نصب على المصدر أي يقرؤه قرآنا وقال الأخفش : هو مفعول ثان لفصلت وهو كما ترى إن لم تكن أخفش وأيا ما كان ففي قرآنا عربيا امتنان بسهولة قراءته وفهمه لنزوله بلسان من نزل بين أظهرهم لقوم يعلمون
3
- أي معانيه لكونه على لسانهم على أن المفعول محذوف أو لأهل العلم والنظر على أن الفعل منزل منزلة اللازم ولام لقوم تعليلية أو اختصاصية وخصهم بذلك لأنهم هم المنتفعون به والجار والمجرور ما في موضع صفة أخرى لقرآنا أو صلة لتنزيل أو لفصلت قال الزمخشري : ولا يجوز أن يكون صفة مثل ما قبله وما بعده أي قرآنا عربيا كائنا لقوم عرب لئلا يفرق بين الصلاة والصفات ولعله أراد لئلا يلزم التفريق بين الصفة وهي قوله تعالى : بشيرا ونذيرا وموصوفها وهو قرآنا بناء على أنه صفة بالصلة وهي لقوم على تقدير تعلقه بتنزيل أو بفصلت وبين الصلة وموصولها بالصفة أي تنزيل أو فصلت و لقوم والجميع للمبالغة على حد قولك لمن يفرق بين أخوين : لا تفعل فإن التفريق بين الأخوان مذموم أو أراد لئلا يفرق بين الصلتين في الحكم مع عدم الموجب للتفريق وهو أن يتصل من الرحمن بموصوله ولا يتصل لقوم وكذلك بين الصفتين وهو عربيا بموصوفه ولا يتصل بشيرا والجمع لذلك أيضا واختار أبو حيان كون الجار والمجرور صلة فصلت وقال : يبعد تعلقه بتنزيل لكونه وصف قبل أخذ متعلقه إن كان من الرحمن في موضع الصفة أو إبدل منه كتاب أو كان خبرا لتنزيل فيكون في ذلك البدل الموصول أو الأخبار عنه قبل أخذه متعلقه وهو لا يجوز ولعل ذلك غير مجمع عليه وكون بشيرا صفة قرآنا هو المشهور وجوز أن يكون ما عطف عليه حال من كتاب أو من آياته وقرأ زيد بن علي بشير ونذير برفعهما وهي رواية شاذة عن نافع على الوصفية لكتاب أو الخبرية لمحذوف أي هو بشير لأهل الطاعة ونذير لأهل المعصية فأعرض أكثرهم عن تدبره وقبوله والضمير للقوم على المعنى الأول ليعلمون وللكفار المذكورين حكما على المعنى الثاني ويجوز أن يكون للقوم عليه أيضا بأن يراد به

الصفحة 95