كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 24)
وقد كان في مكة فرض شيء من المال يخرج إلى المستحق لا على هذا الوجه وكان يسمى زكاة أيضا ثم نسخ انتهى
ومنه يعلم سقوط ما قاله الطيبي بقي مخالفة الحبر وهي لا تتحقق إلا إذا تحققت الرواية عنه وبعده الأمر أيضا سهل ولعله رضي الله تعالى عنه كان يقرأ لا يأتون من الإتيان إذ القراءة المشهورة تأبى ذلك إلا بتأويل بعيد والعجب نسبة ما ذكر عن الحبر في البحر إلى الجمهور أيضا وحمل الآية على ذلك مخلص بعض ممن لا يقول بتكليف الكفار بالفروع لكن لا يخفى حال الحمل وهي على المعنى المتبادر دليل عليه وممن لا يقول به قال : هم مكلفون باعتقاد حقيقتها دون إيقاعها والتكليف به بعد الإيمان فمعنى الآية لا يؤتون الزكاة بعد الإيمان وقيل : المعنى لا يقرون بفرضيتها والقول بتكليف المجنون أقرب من هذا التأويل وقيل : كلمة ويل تدل على الذم لا التكليف وهو مذموم عقلا وفيه بحث لا يخفى هذا وقيل : في ممنون لا يمن به عليهم من المن بمعنى تعداد النعم وأصل معناه الثقل فأطلق على ذلك لثقله على الممنون عليه وعن ابن عباس تفسيره بالمنقوص وأنشدوا لذي الأصبع العدواني : إني لعمرك ما بأبي بذي غلق عن الصديق ولا زادي بممنون والآية على ما روي عن السدي نزلت في المرضى والهرمي إذا عجزوا عن كمال الطاعات كتب لهم من الأجر في المرض والهرم مثل الذي كان يكتب لهم وهم أصحاء وشبان ولا تنقص أجورهم وذلك من عظيم كرم الله تعالى ورحمته عز و جل قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين إلى آخر الآيات والكلام فيها كثير ومنه ما ليس بالمشهور ولنبدأ بما هو المشهور وبعد التمام نذكر الآخر فنقول : هذا إنكار وتشنيع لكفرهم وإن اللام إما لتأكيد الإنكار وتقديم الهمزة لاقتضائها الصدارة لا لإنكار التأكيد وإما للإشعار بأن كفرهم من البعد بحيث ينكر العقلاء وقوعه فيحتاج إلى التأكيد وعلق سبحانه كفرهم بالموصول لتفخيم شأنه تعالى واستعظام كفرهم به عز و جل والظاهر أن المراد بالأرض الجسم المعروف وقيل : لعل المراد منها ما في جهة السفل من الأجرام الكثيفة واللطيفة من التراب والماء والهواء تجوزا باستعمالها في لازم المعنى على ما قيل يقرينة المقابلة وحملت على ذلك لئلا يخلو الكلام عن التعرض لمدة خلق ما عدا التراب ومن خلقها في يومين أنه سبحانه خلق لها أصلا مشتركا ثم خلق لها صورا بها تنوعت إلى أنواع واليوم في المشهور عبارة عن زمان كون الشمس فوق الأفق وأريد منه ههنا الوقت مطلقا لأنه لا يتصور ذلك قبل خلق السماء والكواكب والأرض نفسها ثم إن ذلك الوقت يحتمل أن يكون بمقدار اليوم المعروف ويحتمل أن يكون أقل منه أو أكثر والأقل أنسب بالمقام وأيا ما كان فالظاهر أن اليومين ظرفان لخلق الأرض مطلقا من غير توزيع
وقال بعض الأجلة : إنه تعالى خلق أصلها ومادتها في يوم وصورها وطبقاتها في آخر وقال في إرشاد العقل السليم المراد بخلق الأرض تقدير وجودها أي حكم بأنها ستوجد في يومين مثله في قوله تعالى : إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون والمراد بكفرهم به تعالى إلحادهم في ذاته سبحانه وصفاته عز و جل وخروجهم عن الحق اللازم له جل شأنه على عباده من توحيده واعتقاد ما يليق بذاته وصفاته جل جلاله فلا ينزهونه تعالى عن صفات الأجسام ولا يثبتون له القدرة التامة والنعوت اللائقة به سبحانه وتعالى ولا يعترفون بإرساله تعالى الرسل وبعثه سبحانه الأموات حتى كأنهم يزعمون أنه سبحانه خلق العباد عبثا وتركهم سدى وقوله تعالى : وتجعلون له أندادا عطف على تكفرون داخل معه في حكم الإنكار والتوبيخ