كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 25)

بل نوعه وما يشبهه والأيراث الإعطاء وقيل : المراد من إيراثها إياهم تمكينهم من التصرف فيها ولا يتوقف ذلك على رجوعهم إلى مصر كما كانوا فيها أولا وأخذ جمع بقول الحسن وقالوا لا اعتبار بالتواريخ وكذا الكتب التي بيد اليهود اليوم لما أن الكذب فيها كثير وحسبنا كتاب الله تعالى وهو سبحانه أصدق القائلين وكتابه جل وعلا مأمور من تحريف المحرفين فما بكت عليهم السماء والأرض مجازعن عدم الأكتراث بهلاكهم والأعتداد بوجودهم وهواستعارة تمثيلية تخييلية شبه حالموتهم لشدت هو عظمته بحال من تبكى عليه السماء والأجرام العظام وأثبت له ذلك والنفي للأثباتفي التجوز كما حقق في موضعه وقيل : هي استعارة مكنية تخييلية بأنشبه السماء والأرض بالأنسان وأسند إليهما البكاء أو تمثيلية بأن حالهما في عدم تغير حالهما وبقائها على ما كانا عليه بحالمن لم يبك وليس بشيء كما لا يخفى على من راجع كلامهم وقد كثر في التعظيم لمهلك الشخص بكت عليه السماء والأرض وبكته الريح ونحو ذلك قال يزيد بنمفرغ : الريح يبكي شجوه والبرق يلمع في غمامه وقال النابغة : بكى حارث الجولان من فقد ربه وحوران منه خاشع متضائل أراد بهما مكانين معروفين وقال جرير : لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال الخشع وقال الفرزدق يرثي أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز : الشمس طالعة ليست بكل سفة تبكي عليك نجوم الليل والقمرا تعجب من طلوع الشمس وكان من حقها أن لا تطلع أو تطلع كاسفة والنجوم تروى منصوبة ومرفوعة فالنصب على المغالبة أي تغلب الشمس النجوم في البكاء نحو باكيته فبكيته قالجار الله : كان رضي الله تعالى عنه يتهجد بالليل فتبكيه النجوم ويعدل بالنهار فتبكيه الشمسوالشمس غالبة في البكاء لأن العدل أفضل من صلاة الليل والجوهري جعلها منصوبة بكاسفة أي لا تكسف ضوء النجوم لكثرة بكائها وكأنه جعل خفاء النجوم تحت ضوء الشمس كسفا لها مجازا وفيه أن الكسف بالمعنى المذكورة غير واضح وتخلل تبكي غير مستفضح وفي حواشي الصحاح الشمس كاسفة ليست بطالعة
وفيها أن نجوم الليل ظرف أي طول الدهر كأنه منباب آتيك الشمس والقمر أي وقتهما كأنه قيل : تبكي ما يطلع النجوم والقمر وفيه أن مثل هذا الظرف مسموع لا يثبت فكيف يعدل إليه مع المعنى الواضح وقيل : التقدير تبكي بكاء النجوم فحذف المضاف وفيه أنه مما لا يكاد يفهم والرفع واضح والقمر منصوب على أنه مفعول وهذا استطراد دعانا إليه شهرة البيت مع كثرة الخبط فيه
وأخرج الترمذي وجماعة عن أنس قال قال : رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ما من عبد إلا وله في السماء باب ان باب يصعد منه عمله وباب ينزل منه رزقه فالمؤمن إذا مات فقداه وبكيا عليه وتلا هذه الآية فما بكت عليهم السماء والأرض وذكر أنهم لم يكونوا يعملون على وجه الأرض عملا صالحا فتفقدهم فتبكي عليهم ولميصعد لهم إلى السماء من كلامهم ولامن عملهم كلام طيب ولا عمل صالح فتفقدهم فتبكي عليهم

الصفحة 124