كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 25)

على ظاهره أي وترجح عندهم أن قولهم : ما منا من شهيد منجاة لهم أو يموهون به والجملة بعد مستأنفة أي لا يكون لهم منجي أو موضع روغان لايسئم الأنسان لا يمل ولايفتر مندعاء الخير من طلب السعة في العمة وأسباب المعيشة ودعاء مصدر مضاف للمفعول وفاعله محذوف أي من دعاء الخير هو وقرأ عبد الله من دعاء بالخير بباء داخلة على الخير وإن مسه الشر الضيقة والعسر فيؤس قنوط
49
- أي فهو يؤس قنوط منفضل الله تعالى ورحمته وهذا صفة الكافر والآية نزلت في الوليد بن المغيرة وقيل : في عتبة بن ربيعة وقد بولغ في يأسه من جهة الصيغة لأن فعولا من صيغ المبالغة ومن جهة التكرار المعنوي فإن القنوط أن يظهر عليه أثر اليأس فيتضائل وينكسر ولما كان أثره الدال لا يفارقه كان في ذكره ذكره ثانيا بطرق أبلغ وقدم اليأس صفة للقلب وهو أن يقطع رجاءه من الخير وهي المؤثرة يظهر على الصورة من التضاؤل والأنكسار ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضر أمسته أي لئن فرجنا عنه بصحة بعد مرض أو سعة بعد ضيق أو غير ذلك ليقولن هذا لي أيحقي استحقه لما لي من الفضل والعمل لاتفضل من الله عز و جل فاللام للأستحقاق أو هو لي دائما لا يزول فاللام للملك وهو يشعر بالدوام ولعل الأول أقرب
وما أظن الساعة قائمة أي تقوم فيما سيأتي ولئن رجعت إلى ربي على تقدير قيامها إنلي عنده للحسنى أي للحالة الحسنى من الكرامة والتأكيد بالقسم هنا ليس لقيام الساعة بل لكونه مجزيا بالحسنى لجزمه باستحقاقه للكرامة لاعتقاده ما أصابه من نعم الدنيا لاستحقاقه له وإن نعم الآخرة كذلك فلا تنافي بين أن التي الأصل فيها أن تستعمل لغير المتيقن وبين التأكيد بالقسم وأن اللام وتقديم الظرفين وصيغة التفضيل فلننبئن الذين كفروا بما عملوا لنعلمنهم بحقيقة أعمالهم ولنبصرنهم بعكس ما اعتقدوا فيها فيظهر لهم أنهم مستحقون للأهانة لا الكرامة كما توهموا ولنذيقنهم من عذاب غليظ
50
- لا يمكنهم التفصي عنه لشدته فهو كوثاق غليظ لا يمكن قطعه وإذا أنعمنا على الأنسان أعرض عن الشكر ونأتي بجانبه تكبر واختال على أن الجانب بمعنى الناحية والمكان ثم نزل مكان الشيء وجهته كناية منزلة الشيء نفسه ومنه قوله تعالى : ولمنخاف مقام ربه وقول الشاعر : ذعرت به القط اونفيت عنه مقام الذئب كالرجل اللعين وقول الكتاب حضرة فلان ومجلسه العالي وكتبت إلى جهته وإلى جانبه العزيز يريدون نفسه وذاته فكأنه قيل : نأيب نفسه ثم كنيب ذهب بنفسه عن التكبر والخيلاء وجوز أن يراد بجانبه عطفه ويكون عبارة عن الأنحراف والأزورار كما قالوا : ثني وتولى بركنه والأول مشتمل على كنايتين وضع الجانب موضع النفس والتعبير عن التكبيرالبالغ بنحو ذهب بنفسه وهذا على واحدة على ما في الكشف وجعل بعضهم الجانب والجنب حقيقة كالعطف في الجارحة وأحد شقي البدن مجازا في الجهة فلا تغفل وعن أبي عبيدة نأي بجانبه أي نهض به وهو عبارة عن التكبر كشمخ بأنفه والباء للتعدية ثم إن التعبير عن ذات الشخص بنحو المقام والمجلس كثيراما يكون لقصد التعظيم والأحتشام عن التصريح بالأسم وهو يترك وبالتصريح به عند

الصفحة 4