كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 25)

إرادة تعظيمه قال زهير : فعرض إذا ما جئت بالبال والحمى وإيا كأن تنسى فتذكر زينبا سيكفيك من ذاك المسمى إشارة فدعه مصونا بالجلال محجبا ومن هنا قال الطيبي : إن ما هنا وارد عن التهكم وقريء ونآ بإمالة الألف وكسر النون للأتباع وناء على القلب كما قالوا راء في رأي وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض
51
- أي كثير مستمر مستعار مماله عرض متسع وأصله مما يوصف به الأجسام وهو أقصر الأمتدادين وأطولهما هو الطول ويفهم في العرف من العريض الأتساع وصيغة المبالغة وتنوين التكثير يقويان ذلك ويوصف الدعاء بما ذكر يستلزم عظم الطول أيضا لأنه لابد أن يكون أزيد من العرض وإلا لم يكن طولا والأستعارة في كل من الدعاء والعريض جائزة ولا يخفى كيفية إجرائها
وذكر بعض الأجلة أن الآيات قد تضمنت ضربين من طغيان جنس الأنسان فالأول في بيان شدةحرصه على الجمع وشدة جزعه على الفقد والتعريض بتظليم ربه سبحانه في قوله هذا لي مدمجا فيه سوء اعتقاده في المعاد المستجلب لتلك المساوي كلها والثاني في بيان طيشه المتولد عنه إعجابه واستكباره عند وجود النعمة واستكانته عن فقدها وقد ضمن في ذلك ذمه بشغله بالنعمة عن المنعم في الحالتين أما في الأول فظاهر وأما في الثاني فلأن التضرع جزعا على الفقد ليس رجوعا إلى المنعم بلتأسف على الفقد المشغل عن المنعم كل الأشغال وذكر أن في ذكر الوصفين ما يدل على أنه عديم النهية أي العقل ضعيف المنةأي القوة فإن اليأس والقنوط ينافيان الدعاءالعريض وأنه عند ذلك كالغريق المتمسك بكل شيء انتهى ومنه يعلم جواب ما قيل : كونه يدعو دعاء عريضا متكررا ينافي وصفه بأنه يؤس قنوط لأن الدعاء فرع الطمع والرجاء وقد اعتبر في القنوط ظهور أثر اليأس فظهور ما يدل على الرجاء يأباه وأجاب آخرون بأنه يجوز أن يقال : الحال الثاني شأن بعض غير البعض الذي حكىعنه اليأس والقنوط أو شأن الكل في بعض الأوقات واستدل بعضهم بقوله تعالى : فذو دعاء عريض على أن الإيجاز غير الأختصار وفسره لهذه الآية بحذف تكرير الأكلام مع اتحاد المعنى والأيجاب بحذف طوله وهو الأطناب وهو استدلال بما لا يدل إذ ليس فيها حذف ذلك العرض فضلا عن تسميته قل أرأيتم الخ رجوع لألزام الطاعنين والملحدين وختم للسورة بما يلتفت لفت بدنها وهو من الكلام المنصف وفيه حث على التأمل واستدراج للأقرار مع ما فيه من سحر البيان وحديث الساعة وقع في البين تتميما للوعيد وتنبيها على ما هم فيه من الضلال البعيد كذا قيل وسيأتي إن شاء الله تعالى بسط الكلام في ذلك ومعنى أرأيتم أخبروني إنكان أي القرآن من عند الله ثم كفرتم به مع تعاضد موجبات الأيمان به و ثم كما قال النيسابوري للتراخي الرتبي من أضل ممن هو في شقاق أي خلاف بعيد
52 - غاية البعد عن الحق والمراد ممن هو في شقاق المخاطبون ووضع الظاهر موضع ضميره مشرحا لحالهم بالصلة وتعليلا لمزيد ضلالهم وجملة من أضل على ما قال ابن الشيخ سادة مسدة مفعولي رأيتم وفي البحر المفعول الأول محذوف تقديره أرأيتم أنفسكم والثاني هو جملة الأستفهام وأيا ما كان فجواب الشرط محذوف قال النيسابوري : تقديره مثل افمن أضل منكم وقيل : إن كان من عند الله ثم كفرتم به فأخبروني من أضل منكم ولعله الأظهر

الصفحة 5