كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)
حكم الله تعالى فيهم واحدا ألا ترى أن المعنى الموجب مشترك وهو رضاهم بالقعود أول مرة فكلام الله تعالى أريد به حكمه السابق وهو المنافق لا يستصحب في الغزو ولم يرد أن هذا الحكم منقاس على ذلك الأصل أو الآية نازلة فيهم أيضا فهذا ما يمكن في تصحيحه انتهى وقال عما في البحر : الذين غزوا بعد لم يغزوا حتى أخلصوا ولم يبقوا منافقين والله تعالى أعلم وقرأ حمزة والكسائي كلم الله وهو اسم جنس جمعي واحده كلمة قل إقناطا لهم لن تتبعونا أي لا تتبعونا فإنه نفي في معنى النهي للمبالغة والمراد نهيهم عن الأتباع فيما أرادوا الأتباع فيه في قولهم : ذرونا نتبعكم وهو الأنطلاق إلى خيبر كما نقل عن محيي السنة عليه الرحمة وقيل : المراد لا تتبعونا مادمتم مرضى القلوب وعن مجاهد كان الموعد أي الموعد الذي تغييره تبديل كلام الله تعالى وهو موعده سبحانه لأهل الحديبية أنهم لا يتبعون رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا متطوعين لا نصيب لهم في المغنم فكأنه قيل : لن تتبعونا إلا متطوعين وقيل : المراد التأييد والظاهر السياق الأول كذلكم قال الله من قبل أي من قبل أن تهيأتم للخروج معنا وذلك عند الأنصراف من الحديبية فسيقولون للمؤمنين عند سماع هذا النهي بل تحسدوننا أن نشارككم في الغنائم وهو إضراب عن كونه بحكم الله تعالى أي بل إنما ذلك من عند أنفسكم حسدا وقرأ أبو حيوة تحسدوننا بكسر السين بل كانوا لا يفقهون لا يفهمون إلا قليلا
15
- أي إلا فهما قليلا وهو فهمهم لأمور الدنيا وهو رد لقولهم الباطل في المؤمنين ووصف لهم بما هو أعظم من الحسد وأطم وهو الجهل المفرد وسوء الفهم في أمور الدين وفيه إشارة إلى ردهم حكم الله تعالى وإثباتهم الحسد لأولئك السادة من الجهل وقلة التفكر قل للمخلفين من الأعراب كرر ذكرهم بهذا العنوان مبالغة في الذم وإشعار بشناعة التخلف ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد ذوي نجدة وشدة قوية في الحرب وهم على ما أخرج ابن المنذر والطبراني عن الزهري بنو حنيفة مسيلمة وقومه أهل اليمامة وعليه جماعة وفي رواية عنه زيادة أهل الردة وروي ذلك عن الكلبي وعن رافع بن خديج إنا كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر رضي الله تعالى عنه إلى قتال بني حنيفة أنهم أريدوا بها وعن عطاء ابن أبي رباح ومجاهد في رواية وعطاء الخراساني وابن أبي ليلى هم الفرس وأخرجه ابن جرير والبيهقي في الدلائل وغيرهما عن ابن عباس وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنه قال في الآية : دعا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه لقتال فارس أعراب المدينة جهينة ومزينة الذين كان النبي صلى الله عليه و سلم دعاهم للخروج إلى مكة وقال عكرمة وابن جبير وقتادة : هم هو أزن ومن حارب الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم في حنين وفي رواية ابن جرير وعبد بن حميد عن قتادة التصريح بثقيف مع هوازن وفي رواية الفريابي وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال : هم هوازن وبنو حنيفة وقال كعب : هم الروم الذي خرج إليهم صلى الله تعالى عليه وسلم عام تبوك والذين بعث ليهم في غزوة بيوتة وأخرج سعيد ابن منصور وابن جرير وابن المنذر عن الحسن قال : هم فارس والروم وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : البارز يعني الأكراد كما في الدر المنثور وأخرج ابن المنذر والطبراني في الكبير عن مجاهد قال : أعراب فارس وأكراد العجم وظاهرالعطف أن أكراد العجم ليسوا من أعراب فارس وظاهر إضافة أكراد إلى العجم يشعر بأن من الأكراد ما يقال لهم أكراد العرب ولا نعرف هذا التقسيم وإنما نعرف جيلا من الناس يقال لهم