كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)
دينا لا يريد أن يؤدى إلى صاحبه حقه خدعه حتى أخذ ماله فمات ولم يؤد إليه دينه لقى الله وهو سارق ويكنى ميمون هذا بصير بفتح الموحدة وقيل : بالنون وهو كما في التقريب مقبول هذا وأشهر الأقوال في تعيين هؤلاء القوم أنهم بنو حنيفة
وقال أبو حيان : الذي أقوله إن هذه الأقوال تمثيلات من قالها لا تعيين القوم وهذا وإن حصل به الجمع بين تلك الأقوال خلاف الظاهر وقوله تعالى : تقتلونهم أو يسلمون على معنى يكون أحد الأمرين إما المقاتلة أو الإسلام لهما فأو للتنويع والحصر لا للشك وهو كثير ويدل لذلك قراءة أبي وزيد بن علي أو يسلموا بحذف النون لأن ذلك للناصب وهو يقتضي أن أو بمعنى إلا أي إلا أن يسلموا فيفيد الحصر أو بمعنى إلى أي إلى أن يسلموا والغاية تقتضي أنه لا ينقطع القتال بغير الأسلام فيفيده أيضا كما قيل : والجملة مستأنفة للتعليل كما في قولك : سيدعوك الأمير يكرمك أو يكبت عدوك قال في الكشف : ولا يجوز أن تكون صفة لقوم لأنهم دعوا إلى قتال القوم لا أنهم دعوا إلى قوم موصوف بالمقاتلة أو الأسلام
وجوز بعضهم كونها حالية وحاله كحال الوصفية وأصل الكلام ستدعون إلى قوم أولي بأس لتقاتلوهم أو يسلموا إلى الأستئناف لأنه أعظم الوصلين ثم فيه أنهم فعلوا ذلك وحصلوا الغرض فهو يخبر عنه واقعا
والأعتراض بأنه يلزم أن لا ينفك الوجود عن أحدهما لصدق إخباره تعالى ونحن نرى الأنفكاك بأن يتركوا سدى أو بالهدنة فينبغي أن يؤول بأنه في معنى الأمر على ما في أمالي ابن الحاجب غير سديد لأن القوم مخصوصون لا عموم فيهم وكان الواقع أنهم قوتلوا إلىأن أسلموا سواء فسر القوم ببني حنيفة أو بثقيف وهوازن أو فارس والروم على أن الأسلام الأنقياد فما انفك الوجود عن أحدهما بل وقعا وأما امتناع الأنفكاك فليس من مقتضى الوضع ولا الأستعمال بل ذلك في الكلام الأستدلالي قد يتفق
وأطال الطيبي الكلام في هذا المقام ثم قال : الذي يقتضيه المقام ما ذهب إليه صاحب التحبير من أن يسلمون عطف على تقاتلونهم أما على الظاهر أو بتقديرهم يسلمون ليكون من عطف الأسمية على الفعلية وحينئذ تكون المناسبة أكثر إذ تخرج الجملة إلى باب الكناية والمعنى تقاتلونهم أو لا تقاتلونهم لأنهم يسلمون وقد وضع فيه أو يسلمون موضع أولا تقاتلونهم لأنهم إذا أسلموا سقط عنهم قتالهم ضرورة والأستدعاء عليه ليس إلا للأختبار و أو للترديد على سبيل الأستعارة وفيه ما فيه وشاع الأستدلال بالآية على صحة إمامة أبي بكر رضي الله تعالى عنه ووجه ذلك الإمام فقال : الداعي في قوله تعالى : ستدعون لا يخلو من أن يكون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أو الأئمة الأربعة أو من بعدهم لا يجوز الأول لقوله سبحانه قل لن تتبعونا الخ ولا أن يكون عليا رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه لأنه إنما قاتل البغاة والخوارج وتلك المقالة للأسلام لقوله عز و جل : أو يسلمون ولا من ملك بعدهم لأنهم عندنا على الخطأ وعند الشيعة على الكفر ولما بطلت الأقسام تعين أن يكون المراد بالداعي أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم ثم أنه تعالى أوجب طاعته وأوعد على مخالفته وذلك يقتضي إمامته وأي الثلاثة كان ثبت المطلوب أما إذا كان أبا بكر فظاهر وأما إذا كان عمر أو عثمان فلأن إمامته فرع إمامته رضي الله تعالى عنه وتعقب بأن الداعي كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ويشعر بذلك السين قوله : لا يجوز لقوله سبحانه : لن تتبعونا الخ فيه أن لن لا تفيد التأييد على الصحيح وظاهر السياق يدل على أن