كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)
المراد به لن تتبعونا في الأنطلاق إلى خيبر كما سمعت عن محيي السنة أو هو مقيد بما روي عن مجاهد أو بما حكى عن بعض وقال أبو حيان : القول بأنهم لم يدعوا إلى حرب في أيام الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم ليس بصحيح فقد حضر كثير منهم مع جعفر في موتة وحضروا حرب هوازن معه عليه الصلاة و السلام وحضروا معه صلى الله تعالى عليه وسلم أيضا في سفرة تبوك انتهى ولا يخفى أن هذا إذا صح ينفي حمل النفي على التأييد
ومن الشيعة من اقتصر في رد الأستدلال على الدعوة في تبوك وتعقب بأنه لم يقع فيها ما أخبر الله تعالى به في قوله سبحانه : تقاتلونهم أو يسلمون ومنهم من زعم أن الداعي علي كرم الله تعالى وجهه وزعم كفر البغاة والخوارج عليه رضي الله تعالى عنه وأنه لو سلم إسلامهم يراد بالأسلام في الآية الأنقياد إلى الطاعة وموالاة الأمير وفيه ما لا يخفى والأنصاف أن الآيةلا تكاد تصح دليلا على إمامة الصديق رضي الله تعالى عنه إلا إن صح خبر مرفوع في كون المراد بالقوم بني حنيفة ونحوهم ودون ذلك خرط القتاد ونفي بعضهم صحة كون المراد بالقوم فارسا والروم لأن المراد في قوله تعالى : تقاتلونهم أو يسلمون على ما سمعت وفارس مجوس والروم نصارى فلا يتعين فيهم لأحد الأمرين من المقاتلة والأسلام إذ يقبل منهم الجزية وكذا اليهود ومشركو العجم والصائبة عند أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وقال : يتعين كونهم مرتدين أو مشركي العرب لأنهم الذين لا يقبل منهم إلا الأسلام أو السيف ومثل مشركي العرب مشركو العجم عند الشافعي رضي الله تعالى عنه فعنده لا تقبل إلا من أهل الكتاب والمجوس وأنت تعلم أن من فسر القوم بذلك يفسر الأسلام بالأنقياد وهو يكون بقبول الجزية فلا يتم له النفي فلا تغفل فإن تطيعوا الديلمي فيما دعاكم إليه يؤتكم الله أجرا حسنا هو على ما قيل الغنيمة في الدنيا والجنة في الأخرى وإن تتولوا عن الدعوة كما توليتم من قبل في الحديبية يعذبكم عذابا أليما
16
- لتضاعف جرمكم وهذا التعذيب قال في البحر : يحتمل أن يكون في الدنيا وأنيكون في الآخرة ويحتمل عندي وهو الأوفق بما قبله على ما قيل كونه فيهما ولا بأس بكون كل من الإيتاء والتعذيب في الآخرة بل لعله المتبادر لكثرة استعمالها في ذلك ولا يحسن كون الأمرين في الدنيا ولا كون الأول في الآخرة أو فيها وفي الدنيا والثاني في الدنيا فقط ليس على الأعمى حرج أي إثم ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج أي في التخلف عن الغزو لما بهم من العذر والعاهة وفي نفي الحرج عن كل من الطوائف المعدودة مزيد اعتناء بأمرهم وتوسيع لدائرة الرخصة وليس في نفي ذلك عنهم نهي لهم عن الغزو بل قالوا : إن أجرهم مضاعف في الغزو وقد غزا ابن مكتوم وكان أعمى رضي الله تعالى عنه وحضر في بعض حروب القادسية وكان يمسك الراية وفي البحر لو حصر المسلمون فالفرض متوجه بحسب الوسع في الجهاد ومن يطع الله ورسوله فيما ذكر من الأوامر والنواهي
يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول عن الطاعة يعذبه عذابا أليما
17
- لا يقادر قدره والمعنى بالوعد والوعيد هنا أعم من المعنى بهما فيما سبق كما ينبيء عن ذلك التعبير بمن هنا بضمير الخطاب هناك وقيل في الوعيد يعذبه الخ دون يدخله نارا ونحوه مما أظهر في المقابلة لقوله تعالى : يدخله جنات الخ اعتناء بأمره من حيث أن التعذيب يوم القيامة عذابا أليما يستلزم إدخال النار وإدخالها لا يستلزم ذلك وأعتني