كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

به لأن المقام يقتضيه ولذلك جيء به كالمكرر مع الوعيد السابق ويكفي في الأشارة إلى سبق الرحمة إخراج الوعد ههنا كالتفصيل لما تقدم والتعبير هناك بإيتاء الأجر الحسن الظاهر في الأستحقاق مع إسناد الإيتاء إلى الأسم الجليل نفسه فتأمل فلمسلك الذهن اتساع وقرأ الحسن وقتادة وأبو جعفر والأعرج وشيبة وابن عامر ونافع ندخله ونعذبه بالنون فيهما ولما ذكر سبحانه حال من تخلف عن السفر مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ذكر عز و جل حال المؤمنين الخلص الذين سافروا معه عليه الصلاة و السلام بقوله تعالى : لقد رضي الله تعالى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة وهم أهل الحديبية إلا جد بن قيس فإنه كان منافقا ولم يبايع
وأصل هذه البيعة وتسمى بيعة الرضوان لقول الله تعالى فيها : لقد رضي الله تعالى الخ أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لما نزل الحديبية بعث خراشا بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء المهملة وألف بعدها شين معجمة ابن أمية الخزاعي رسولا إلى أهل مكة وحمله على جمل له يقال له : الثعلب يعلمهم أنه جاء معتمرا لا يريد قتالا فلما أتاهم وكلمهم عقروا جمله وأرادوا قتله فمنعه الأحابيش فخلوا سبيله حتى أتى الرسول صلى الله عليه و سلم فدعا عمر رضي الله تعالى عنه ليبعثه فقال : يا رسول الله إن القوم قد عرفوا عداوتي لهم وغلظي عليهم وإني لا آمن وليس بمكة أحد من بني عدي يغضب لي أو أوذيت فأرسل عثمان بن عفان فإن عشيرته بها وهم يحبونه وأنه يبلغ ما أردت فدعا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عثمان فأرسله إلى قريش وقال : أخبرهم أنا لم نأت بقتال وإنما جئنا عمارا وادعهم إلى الأسلام وأمره عليه الصلاة و السلام أن يأتي رجالا بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات فيبشرهم بالفتح ويخبرهم أن الله تعالى قريبا يظهر دينه بمكة فذهب عثمان رضي الله تعالى عنه إلى قريش وكان قد لقيه أبان بن سعيد بن العاص فنزل عن دابته وحمله عليها وأجاره فأتى قريشا فأخبرهم فقالوا له إن شئت فطف بالبيت وأما دخولكم علينا فلا سبيل إليه فقال رضي الله تعالى عنه : ما كنت لأطوف به حتى يطوف به رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فاحتسبوه فبلغ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم والمسلمين أن عثمان قد قتل فقال عليه الصلاة و السلام : لا نبرح حتى نناجز القوم ونادى مناديه عليه الصلاة و السلام ألا إن روح القدس قد نزل على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأمره بالبيعة فأخرجوا على اسم الله تعالى فبايعوه فثار المسلمون إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وبايعوه قال جابر كما في صحيح مسلم وغيره : بايعناه صلى الله تعالى عليه وسلم على أن لا نفر ولم نبايعه على الموت
وأخرج البخاري عن سلمة بن الأكوع قال : بايعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تحت الشجرة قيل : على أي شيء تبايعون يومئذ قال : على الموت وأخرج مسلم عن معقل بن يسار أنه كان أخذا بأغصان الشجرة عن وجه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يبايع الناس وكان أول من بايع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يومئذ أبان وهو وهب بن محصن أخو عكاشة بن محصن وقيل : سنان بن أبي سنان وروي الأول البيهقي في الدلائل عن الشعبي وأنه قال للنبي عليه الصلاة و السلام : أبسط يدك أبايعك فقال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : علام تبايعني قال : على ما في نفسك وفي حديث جابر الذي أخرجه مسلم أنه قال : بايعناه عليه الصلاة و السلام وعمر رضي الله تعالى عنه آخذ بيده ولعل ذلك ليس في مبدأ البيعة وإلا ففي صحيح البخاري عن نافع أن عمر رضي الله تعالى عنه يوم الحديبية أرسل ابنه عبد الله إلى

الصفحة 106