كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

في حديث أحمد وأبي داود والحاكم وصححه عن مجمع بن جارية الأنصاري فأعطي للفارس سهمين وكان منهم ثلثمائة فارس وللراجل سهما وقيل : مغانم هجر وقرأ الأعمش وطلحة ورويس عن يعقوب ودبلة عن يونس عن ورش وأبو دحية وسقلاب عن نافع والأنطاكي عن أبي جعفر تأخذونها بالتاء الفوقية والألتفات إلى الخطاب لتشريفهم في الأمتنان وكان الله عزيزا غالبا حكيما
19
- مراعيا لمقتضى الحكمة في أحكامه تعالى وقضاياه جل شأنه وعدكم الله مغانم كثيرة هي ما قال ابن عباس ومجاهد وجمهور المفسرين ما وعد الله تعالى المؤمنين من المغانم إلى يوم القيامة تأخذونها في أوقاتها المقدرة لكل واحدة منها فجعل لكم هذه أي مغانم خيبر وكف أيدي الناس عنكم أيدي أهل خيبر وحلفائهم من بني أسد وغطفان حين جاءوا لنصرتهم فقذف الله تعالى في قلوبهم الرعب فنكصوا وقال مجاهد : كف أيدي أهل مكةبالصلح وقال الطبري : كف اليهود عن المدينة بعد خروج الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم إلى الحديبية وإلى خيبر وقال زيد بن أسلم وابنه المغانم الكثيرة الموعودة مغانم خيبر والمعجلة البيعة والتخلص من أمر قريش بالصلح والجمهور على ما قدمناه والمناسبة لما مر من ذكر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بطريق الخطاب وغيره بطريق الغيبة كقوله تعالى : لقد رضي الله تعالى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تقتضي على ما نقل عن بعض الأفاضل أن هذا جاء على نهج التغليب وإن احتمل تلوين الخطاب فيه وذكر الجلبي في قوله تعالى : فجعل لكم هذه الخ أنه إن كان لها بعد فتح خيبر كما هو الظاهر لا تكون السورة بتمامها نازلة من مرجعه صلى الله تعالى عليه وسلم من الحديبية وإن كان قبله علىأنها من الأخبار عن الغيب فالأشارة بهذه لتنزيل المغانم منزلة الحاضرة المشاهدة والتعبير بالمضي للتحقق انتهى واختير الشق الأول وقولهم : نزلت في مرجعه عليه الصلاة و السلام من الحديبية باعتبار الأكثر أو على ظاهره لكن يجعل المرجع اسم زمان ممتد وتعقب بأن ظاهر الأخبار يقتضي عدم الأمتداد وأنها نزلت من أولها إلى آخرها بين مكة والمدينة فلعل الأولى اختيار الشق الثاني والأشارة بهذه إلى المغانم التي أثابهم إياها المذكورة في قوله تعالى : وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها وهي مغانم خيبر وإذا جعلت الأشارة إلى البيعة كما سمعت عن زيد وابنه وروي ذلك عن ابن عباس لم يحتج إلى تأويل نزولها في مرجعه عليه الصلاة و السلام من الحديبية ولتكون آية للمؤمنين الضمير المستتر قيل : للكف المفهوم من كف والتأنيث باعتبار الخبر وقيل : للكفة فأمرالتأنيث ظاهر
وجوز أن يكون لمغانم خيبر المشار إليها بهذه والآية الأمارة أي ولتكون إمارة للمؤمنين يعرفون بها أنهم من الله تعالى بمكان أو يعرفون بها صدق الرسول صلى الله عليه و سلم في وعده إياهم فتح خيبر وما ذكر من المغانم وفتح مكة ودخول المسجد الحرام واللام متعلقة إما بمحذوف مؤخر أي ولتكون آية لهم فعل ما فعل أو بما تعلق به علىأخر محذوفة من أحد الفعلين السابقين أي فجعل لكم هذه أو كف أيدي الناس عنكم لتنتفعوا بذلك ولتكون آية فالواو كما في الأرشاد على الأول اعتراضية وعل الثاني عاطفة وعند الكوفيين الواو زائدة واللام متعلقة بكف أو بجعل ويهديكم بتلك الآية صراطا مستقيما
20
- هو الثقة بفضل الله تعالى والتوكل عليه في كل ما تأتون وتذرون

الصفحة 109