كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

وأخرى عطف على هذه في فجعل لكم هذه فكأنه قيل لكم هذه المغانم وعجل لكم مغانم أخرى وهي مغانم هوازن في غزوة حنين والتعجيل بالنسبة إلى ما بعد فيجوز تعدد المعجل كالأبتداء بشيئين وقوله تعالى : لم تقدروا عليها في موضع الصفة ووصفها بعدم القدرة عليها لما كان فيها من الجولة قبل ذلك لزيادة ترغيبهم فيها وقوله تعالى : قد أحاط الله بها في موضع صفة أخرى لأخرى مفيدة لسهولة تأتيها بالنسبة إلى قدرته عز و جل بعد بيان صعوبة منالها بالنظر إلى قدرتهم والأحاطة مجاز عن الأستيلاء التام إلى قد قدر الله تعالى عليها وايتولى فهي في قبض قدرته تعالى يظهر عليها من أراد وقد أظهركم جل شأنه عليها وأظفركم بها وقيل : مجاز عن الحفظ أي قد حفظها لكم ومنعها من غيركم بقوله سبحانه : وكان الله على كل شيء قديرا
21
- أوفق بالأول وعموم قدرته تعالى لكونها مقتضى الذات فلا يمكن أن تتغير ولا أن تتخلف وتزول عن الذات بسبب ما كما تقرر في موضعه فتكون نسبتها إلى جميع المقدورات على سواء من غير اختصاص ببعض منها دون بعض وإلا كانت متغايرة وجوز كون أخرى منصوبة بفعل يفسره قد أحاط الله بها مثل قضي
وتعقب بأن الأخبار بقضاءالله تعالىبعد اندراجها في جملة الغنائم الموعود بها بقوله تعالى : وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها ليس فيه مزيد فائدة وإنما الفائدة في بيان تعجيلها وأورد أن المغانم الكثيرة الموعودة ليست معينة ليدخل فيها الأخرى ولو سلم فليس المقصود بالأفادة كونها مقضية بل ما بعد فتدبر وجوز كونها مرفوعة بالأبتداء والجملة بعدها صفة وجملة قد أحاط الخ خبرها واستظهر هذا الوجه أبو حيان وقال بعض : الخبر محذوف تقديره ثمت أو نحوه وجوز الزمخشري كونها مجرورة بإضمار رب كما في قوله
وليل كوج البحر أرخى سدوله
وتعقبه أبو حيان بأن فيه غرابة لأن رب لم تأت في القرآن العظيم جارةمع كثرة ورود ذلك في كلام العرب فكيف تضمر هنا وأنت تعلم أن مثل هذه الغرابة لا تضر هذا وتفسير الأخرى بمغانم هوازن قد أخرجه عبد بن حميد عن عكرمة عن ابن عباس واختاره غير واحد وقال قتادة والحسن : هي مكة وقد حاولوها عام الحديبية ولم يدركوها فأخبروا بأن الله تعالى سيظفرهم بها ويظهرهم عليها وفي رواية أخرى عن ابن عباس والحسن ورويت عن مقاتل أنها بلاد فارس والروم وما فتحه المسلمون وهو غير ظاهر على تفسير المغانم الكثيرة الموعودة فيما سبق بما وعد الله تعالى به المسلمين من المغانم إلى يوم القيامة وأيضا تعقبه بعضهم بأن لم يقدروا عليها يشعر بتقدم محاولة لتلك البلاد وفوات دركها المطلوب مع أنه لم تتقدم محاولة
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال : هي خيبر وروي ذلك عن الضحاك وإسحاق وابن زيد أيضا وفيه خفاء فلا تغفل ولو قاتلكم الذين كفروا أي من أهل مكة ولم يصالحوكم كما روي عن قتادة وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج أنهم حليفا أهل خيبر أسد : وغطفان وقيل : اليهود وليس بذاك لولوا الأدبار أي لانهزموا فتولية الدبر كناية عن الهزيمة ثم لا يجدون وليا يحرسهم وذكر الخفاجي أن الخارس أحد معاني الولي وتفسيره هنا بذلك لمناسبته للمنهزم وقال الراغب : كل من ولي أمر آخر فهو وليه وعليه فالحارس ولي لأنه أمر المحروس والتنكير للتعميم أي لا يجدون فردا ما من الأولياء ولا نصيرا
22
- ولا فردا ما من الناصرين ينصرهم وقال الإمام : أريد : بالولي من ينفع باللطف وبالنصير

الصفحة 110