كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)
من ينفع بالعنف سنة الله التي قد خلت من قبل نصب عل المصدرية بفعل محذوف أي سن سبحانه غلبة أنبيائه عليهم السلام سنة قديمة فيمن مض من الأمم كما قال سبحانه : لأغلبن أنا ورسلي عل ما هو المتبادر من معناه ولعل المراد أن سنته تعال أن تكون العاقبة لأنبيائه عليهم السلام لا أنهم كلما قاتلوا الكفار غلبوهم وهزموهم ولن تجد لسنة الله تبديلا
23
- تغييرا وهو الذي كف أيديهم عنكم أي كفار مكة وفي التعبير بكف دون منع ونحوه لطف لا يخف وأيدكم عنهم ببطن مكة يعني الحديبية كما أخرج ذلك عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة وقد تقدم أن بعضها من حرم مكة وأن يسلم فالقرب التام كاف ويكون إطلاق بطن مكة عليها مبالغة من بعد أن أظفركم مظهرا لكم عليهم فتعدية الفعل بعل لتضمنه ما يتعد به وهو الأظهار والأعلاء أي جعلكم ذوي غلبة تامة أخرج الأمام أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي في آخرين عن أنس قال : لما كان يوم الحديبية هبط عل رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكة في السلاح من قبل جبل التنعيم يريدون غرة رسول الله صلى الله عليه و سلم فدعا عليهم فأخذوا فعفا عنهم فنزلت هذه الآية وهو الذي كف الخ وأخرج أحمد والنسائي والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن عبد الله بن معقل قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في أصل الشجرة التي قال الله تعالى في القرآن إلى أن قال : فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا إلى وجوهنا فدعا عليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأخذ الله تعالىبأسماعهم ولفظ الحاكم بأبصارهم فقمنا إليهم فأخذناهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم : هل جئتم في عهد أحد أو هل جعل لكم أماا فقالوا : لا فخلى سبيلها فأنزل الله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم الخ
وأخرج أحمد وغيره عن سلمة بن الأكوع قال : قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ونحن أربع عشرة مائة ثم إن المشركين من أهل مكة راسلونا إلى الصلح فلما اصطلحنا واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فاضطجعت في ظلها فأتاني أربعة من مشركي أهل مكة فجعلوا يقعون في رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فأبغضتهم وتحولت إلى شجرة أخرى فعلقوا سلاحهم واضطجعوا فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل ما للمهاجرين قتل بن زنيم فاخترطت سيفي فاشتددت على أولئك الأربعة وهم رقود فأخذت سلاحهم وجعلته في يدي ثم قلت : والذي كرم وجه محمد لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي في عيناه ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وجاء عمي عامر برجل يقال له مكرز من المشركين يقوده حتى وقفنا بهم على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم في سبعين من المشركين فنظر إليهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وقال : دعوهم يكون لهم بدء الفجور وثناه فعفا عنهم رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأنزل الله تعالى : وهو الذي كف الخ وهذا كله يؤيد ما قلناه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن أبزي قال : لما خرج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بالهدى وانتهى إلى ذي الحليفة قال له عمي : يا نبي الله تدخل على قوم لك حرب بغير سلاح ولا كراع فبعث إلى المدينة فلم يدع فيها كراعا ولا سلاحا إلا حمله فلما دنا من مكة منعوه أن يدخل فسار حتى أتى منى فنزل بها فأتاه عينه أن عكرمة ابن أبي جعل قد جمع عليك في