كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

معهم وقوله تعالى : أن يبلغ محله بدل اشتمال من الهدى كأنه قيل : وصدوا بلوغ الهدى محله أو صدوا عن بلوغ الهدى أو وصد بلوغ الهدى حسب اختلاف القراآت وجوز أن يكونمفعولا من أجله للصد أي عن بلوغ الهدى أو وصد بلوغ الهدى حسب اختلاف القراآت وجوز أن يكون مفعولا من أجله للصد أي كراهة أن يبلغ محله وأن يكون مفعولا من أجله مجرورا بلام مقدرة لمعكوفا أي محبوسا لأجل أن يبلغ محله ويكون الحبس من المسلمين وأن يكون منصوبا بنزع الخافض وهو من أو عن أي محبوسا من أو عن أن يبلغ محله فيكون الحبس من المشركين على ما هو الظاهر ومحل الهدى مكان يحل فيه نحره أي يسوغ أو مكان حلوله أي وجوبه ووقوعه كما نقل عن الزمخشري والمراد مكان المعهود وهو مني أما على رأي الشافعي رضي الله تعالى عنه فلأن مكانه لمن منع حيث منع فيكون قد بلغ محله بالنسبة إلى النبي صلى الله عليه و سلم ومن معه ولذا نحروا هناك أعني في الحديبية وأما على رأيأبي حنيفة رضي الله تعالى عنه فلأن مكانه الحرم مطلقا وبعض الحديبية حرم عنده وقد رووا أن مضارب رسول الله صلى الله عليه و سلم كانت في الحل منها ومصلاه في الحرم والنحر قد وقع فيما هو حرم فيكون الهدى بالغا محله غير معكوف عن بلوغه فلا بد من إرادة المعهود ليتسنى ذلك وزعم الزمخشري أن الآية دليل لأبي حنيفة على أن الممنوع محل هديه الحرم ثم تكلم بما لا يخفى حاله على من راجعه ومنالناس من قرر الأستدلال بأن المسجد الحرام يكون بمعنى الحرم وهم لما صدوهم عنه ومنعوا هديهم أن يدخله فيصل إلى محله دل بحسب الظاهر على أنه محله ثم قال : ولا ينافيه أنه عليه الصلاة و السلام نحر في طرف منه كما لا ينافي الصد عنه كون مصلاه عليه الصلاة و السلام فيه لأنهم منعوهم فلم يتمنعوا بالكلية وهو كما ترى
والأنصاف أنه لا يتم الأستدلال بالآية على هذا المطلب أصلا وطعن بعض أجلة الشافعية في كون شيء من الحديبية من الحرم فقال : إنه خلاف ما عليه الجمهور وحدود الحرم مشهورة من زمن إبراهيم عليه السلام ولا يعتد برواية شذ بها الواقدي كيف وقد صرح بخلاف البخاري في صحيحه عن الثقات والرواية عن الزهري ليست بثبت انتهى ولعل من قال : بأن بعضها من الحرم استند في ذلك إلى خبر صحيح ومن قواعدهم أن المثبت مقدم على النافي والله تعالى أعلم ولو لا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم صفة رجال ونساء على تغليب المذكر على المؤنث وكانوا على ما أخرج أبو نعيم بسند جيد وغيره عن أبي جمعة جنبذ بن سبع تسعة نفر سبعة رجال وهو منهم وامرأتين وقوله تعالى : أنتطؤهم بدل اشتمال منهم وجوز كونه بدلا من الضمير المنصوب في تعلموهم واستبعده أبو حيان والوطء الدوس واستعير هنا للأهلاك وهي استعارة حسنة واردة في كلامهم قديما وحديثا ومن ذلك قول الحرث بن وعلة الذهلي : ووطئتنا وطأ على حنق وطء المقيد نابت الهرم وقوله صلى الله عليه و سلم من حديث : وإن آخر وطأة وطئها الله تعالى بوج وقوله عليه الصلاة و السلام : اللهم اشدد وطأتك على مضر فتصيبكم منهم أي من جهتهم معرة أي مكروه ومشقة مأخوذ من العر والعرة وهو الجرب الصعب اللازم وقال غير واحد : هي مغفلة من عره إذا عراه ودهاه ما يكره والمراد بها هنا على ما روي عن منذر ابن تعيير الكفار وقولهم في المؤمنين : أنهم قتلوا أهل دينهم وقيل : التأسف عليهم وتألم النفس مما أصابهم
وقال ابن زيد : المأثم بقتلهم وقال ابن إسحاق : الدية قال ابن عطية : وكلا القولين ضعيف لأنه لا إثم ولا دية

الصفحة 113