كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

في قتل مؤمن مستور الإيمان بين أهل الحرب : وقال الطبري هي الكفارة وتعقب بعضهم هذا أيضا بأن في وجوب الكفارة خلافا بين الأئمة وفي الفصول العمادية ذكر في تأسيس النظائر في الفقه قال أصحابنا : دار الحرب تمنع وجوب ما يندريء بالشبهات لأن أحكامنا لا تجري في دارهم وحكم دارهم لا يجري في دارنا وعند الشافعي دار الحرب لا تمنع وجوب ما يندريء بالشبهات بيان ذلك حربي أسلم في دار الحرب وقتل مسلما دخل دارهم بأمان لا قصاص عليه عندنا ولا دية وعند الشافعي عليه القصاص وعلى هذا لو أن مسلمين متسامنين دخلا دار الحرب وقتل أحدهما صاحبه لا قصاص عليه وعند الشافعي عليه ذلك ثم ذكر مسئلة مختلفا فيها بين أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد فقال : إذا قتل أحد الأسيرين صاحبه في دار الحرب لا شيء عليه عند أبيحنيفة وأبييوسف إلا الكفارة لأنه تبع لهم فصار كواحد من أهل الحرب وعند محمد تجب الدية لأن له حكم نفسه فاعتبر حكم نفسه على حدة انتهى
ونقل عن الكافي أن من أسلم في دار الحرب ولم يهاجر إلينا وقتله مسلم عمدا أو خطأ وله ورثة مسلمون ثم لا يضمن شيئا إن كان عمدا وإن كان خطأ ضمن الكفارة دون الدية انتهى وتمام الكلام في هذا المقام يطلب في محله والزمخشري فسر المعرة بوجوب الدية والكفارة وسوء قالة المشركين والمأثم إذا جرى منهم بعض التقصير وهو كما ترى
بغير علم في موضع الحال من ضمير المخاطبين في تطؤهم قيل ولا تكرار مع قوله تعالى لم تعلموهم سواء كان أن تطؤهم بدل اشتمال من رجالونساء أو بدلا من المنصوب في لم تعلموهم أما على الثاني فلأنحاصل المعن ولو لا مؤمنونلم تعلموا وطأتهموإهلاكهم وأنتمغير عالمين بإيمانهملأن احتمال أنهم يهلكون من غير شعور مع إيمانهم سبب الكف فيعتبر فيه العلمان فمتعلق العلم في الأولالوطأة وفي الثاني أنفسهم باعتبار الإيمان وأما عل الأولفلأنقوله تعالى : بغير علم لما كان حالا من فاعل تطؤهم كانالعلم بهم راجعا إل العلم باعتبار الإهلاك كما تقولأهلكته من غير علم فلا الإهلاك من غير شعور ولا العلم بإيمانهم حاصل والأمران لكونهما مقصودين بالذات صرح بهما وإن تقاربا أو تلازما في الجملة
وجوزأن يجعل لم تعلموهم كناية عن الأختلاط كما يلوح إليه كلام الكشاف وفيه ما يدفع التكرار أيضا وفيه بحث يدفع بالتأمل وجوز أن يكون حالا من ضمير منهم وأن يكون متعلقا بتصيبكم أو صفة لمعرة قيل : وهو عل معن فتصيبكم منهم معرة بغير علم من الذي يعركم ويعيب عليكم يعني إن وطئتموهم غير عالمين لزمكم سبة من الكفار بغير علم أي لا يعلمون أنكم معزورون فيه أوعل معن لم تعلموا أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم منكم أي فتقتلوهم بغير علم منكم أو تؤذوهمبغير علم فافهمولا تغفل وجواب لولا محذوف لدلالة الكلام عليه والمعن عل ما سمعتأولا لو لا كراهة أن تهلكوا أناسا مؤمنين بين ظهراني الكفار جاهلين فيصيبكم بإهلاكهم مكروه لما كف أيديكم عنهم وحاصله أنه تعال ولو لم يكف أيديكم عنهم لانجر الأمر إل إهلاك مؤمنين بين ظهرانيهم فيصيبكم من ذلك مكروه وهو عز و جل يكره ذلك
وقال ابن جريج : دفع الله تعالى عن المشركين يوم الحديبية بأناس من المسلمين بين أظهرهم وظاهر الأول على ما قيل أن علة الكف صون المخاطبين عن إصابة المعرة وظاهر هذا أن علته صون أولئك المؤمنين عن الوطء والأمر فيه سهل وقوله تعالى : ليدخل الله في رحمته علة لما يدل عليه الجواب المحذوف علىما اختاره في الإرشاد كأنه قيل : لكنه سبحانه كفها عنهم ليدخل بذلك الكف المؤدي إلى الفتح بلا محذور في رحمته

الصفحة 114