كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)
الواسعة من يشاء وهمأولئك المؤمنون وذلك بأمنهم وإزالة استضعافهم تحت أيدي المشركين وبتوفيقهم لأقامة مراسم العبادة على الوجه الأتم والتعبير عنهم بمن يشاء دون الضمير بأن يقال : ليدخلهم الله رحمته للأشارة إلى أن علة الأدخال المشيئة المبنية على الحكم الجمة والمصالح وجعله بعضهم علة لما يفهم من صون من بمكة من المؤمنين والرحمة توفيقهم لزيادة الخيروالطاعة بإبقائهم علىعملهم وطاعتهم وجوزأن يراد بمن يشاء بعض المشركين ويراد بالرحمة الأسلام فإن أولئك المؤمنين إذا صانهم الكف المذكور أظهروا إيمانهم لمعاينة قوة الدينفيقتدى بهم الصائرون للأسلام واستحسن بعضهم كونه علةللكف المعلل بالصون
وجوز أن يراد بمن يشاء المؤمنون فيراد بالرحمة التوفيق لزيادة الخير والمشركون فيراد بها الأسلام وبين وجه التعليل بأنهمإذا شاهدوا منع تعذيبهم بعد الظفر عليهم لاختلاط المؤمنين بهم اعتناء بشأنهمرغبوا في الأسلام والأنخراط في سلك المرجومين وإن المؤمنين إذا علموامنع تعذيب المشركين بعد الظفر عليهم لاختلاطهم بهم أظهروا إيمانهم فيقتدى بهم وقال : لا وجه لجعل اللام مستعارة من معنى التعليل لما يترتب على الشيء لأنه عدول عن الحقيقة المتبادرة من غير داع وما يظن من أنتعليل الكف بما ذكر مع أنه معلل بالصون فاسد لما فيه من اجتماع علتين على معلول واحد شخصي فاسد لأن العلل إذا لم تكن تامة حقيقية لا يضر تعددها وما هنا كذلك
هذا وجعل ذلك علة لما دل عليه الجواب علىما سمعت أولا أولى عندي لما فيه من شدة التحام النظم الجليل وحمل من يشاء على المؤمنين المستضعفين دون بعض المشركين أوفق بقوله تعالى : لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما
25
- والتنزيل التفرق والتميز وجوزفي ضمير تزيلوا كونهللمؤمنين المذكورين فيما سبق أي لو تفرق أولئك المؤمنون والمؤمنات وتميزوا عن الكفار وخرجوا منمكة ولم يبقوا بينهم لعذبنا الخ وكونه للمؤمنين والكفار أي لو افترق بعضهم من بعض ولم يبقوا مختلطين لعذبنا الخ
واختار غير واحد الأول فمنهم للبيان والمراد تعذيبهم في الدنيا بالقتل والسبي كما قال مجاهد وغيره وإلا لم يكن للو موقع والجملة مستأنفة مقررة لما قبلها وجوز الزمخشري أن يكون قوله تعالى : لو تزيلوا كالتكرار لقوله تعالى : لولا رجال لأن مرجعهما في المعنى شيء واحد ويكونلعذبنا هو الجواب للولا السابقة واعترضه أبو حيان بأنالتغاير ظاهر فلا يكون تكرارا ولامشابها وأجيب بأن كراهة زطئهم لعدم تميزهم عن الكفار الذي هو مدلول الثاني فيكون كبدل الأشتمال ويكفي ذلك في كونه كالتكرار وقال ابن المنير : إنما كان مرجعهما واحدا وإن كانت لو لا تدل على امتناع لوجود و لو تدل على امتناع لامتناع وبين هذين تناف ظاهر لأن لو لا ههنا دخلت على وجود ولو دخلت على تزيلوا وهو راجع إلى عدم وجودهم وامتناع عدم الوجود ثبوت فآلا إلى أمر واحد من هذا الوجه قال : وكان جدي يختار هذا الوجه ويسميه تطرية وأكثر ما يكون إذا تطاول الكلام وبعد عهد أوله واحتيج إلى بناء الآخر على الأولفمرة يطرى بلفظه ومرةبلفظ آخر يؤدي مؤداه انتهى
وأنتتعلم أن في حذف الجواب دليلا على شدة غضب الله عالى وأنه لو لا حق المؤمنين لفعن بهم ما لا يدخل تحت الوصف ولا يقاس ومنه يعلم أن ذلك الوجه أرجح من جعل لو تزيلوا بمنزلة التكرار للتطرية فتطرية الجواب وتقويته أولى وأوفق لمقتضى المقام واختار الطيبي الأول ايضا معللا له بأنه حينئذ يقرب من باب الطرد والعكس لأن التقدير لو لا وجود مؤمنين مختلطين بالمشركين غير متميزين منهملوقع ما كان جزاء لكفرهم وصدهم ولو حصل