كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)
التمييز وارتفع لحصل التعذيب ثم أن تقدير الجواب ما تقدم عند القائلين بالحذف هو الذي ذهب إليه كثير وجوزبعضهم تقديره لعجل لهمما يستحقون وجعل قوله تعالى : هم الذين كفروا الخ فكأنه قيل : هم الذين كفروا واستحقوا التعجيل في إهلاكهم ولو لا رجال مؤمنون الخ لعجل لهم ذلك وهو أيضا أولى من حديث التكرار وقرأ ابن أبي عبلة وابن مقسم وأبو حيوة وابن عون لو تزايلوا على وزن تتفاعلوا
وفي الآية على ما قال الكيا دليل على أنهلا يجوز خرق سفينة الكفار إذا كان فيها أسرى من المسلمين وكذلك رمي الحصون إذا كانوابها والكفار إذا تترسوا بهم وفيه كلام في كتب الفروع إذا جعل الذين كفروا منصوب باذكر على مفعولية أو بعذبنا على الظرفية أو بصدوكم كذلك وقيل : بمضمر هو أحسن الله تعالىإليكموأيا ما كان فالذين فاعل جعل ووضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بما في حيز الصلة وتعليل الحكم به والجعل إما بمعنى الألقاء فقوله تعالى : في قلوبهم الحمية متعلق به أو بمعنى التصيير فهو متعلق بمحذوف هو مفعول ثان له أي جعلوا الحمية راسخة في قلوبهم ولكونها مكتسبة لهم من وجه نسب جعلها إليهم وقال النيسابوري : يجوز أن يكونفاعل جعل ضمير الله تعالى و في قلوبهم بيان لمكان الجعل ومآل المعنى إذ جعل الله في قلوبهم الذين كفروا الحمية وهو كما ترى والحمية الآنفة يقال : حميت عن كذا حمية إذا أنفت منه وداخلك عار منه
وقال الراغب : عبر عن القوة الغضبية إذا ثارت وكثرت بالحمية فقيل : حميت على فلان أي غضبت عليه وقوله تعالى : حمية الجاهلية بدل من الحمية أي حمية الملة الجاهلية أوالحمية الناشئة من الجاهلية لأنها بغير حجة وفي غير موضعها وقوله تعالى : فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين عطف على جعل على تقدير جعل إذ معمولا لا ذكر والمراد تذكير حسن صنيع الرسول عليه الصلاة و السلام والمؤمنين بتوفيق الله تعالى وسوء صنيع المشركين وعلى ما يدل عليه الجملة الأمتناعية على تقدير جعلها ظرفا لعذبنا كأنه قيل : فلم يتزيلوا فلم نعذب فأنزل الخ وعلى مضمر عامر فيهاعلى الوجه الأخيرالمحكي ويكون هذا كالتفسير لذلك وأماعلىجعلها ظرفا لصدوكم فقيل : العطف على جعل وقيل : على صدوكم وهو نظير الطائر فيغضب زيد الذباب والأولى من هذه الأوجه لا يخفى والسكينة الأطمئنان والوقار روي غير واحد أن النبي صلى الله عليه و سلم خرج بمن معه إلى الحديبية حتى إذا كان بذي الحليفة قلد الهدى وأشعره وأحرم بالعمرة وبعث بين يديه عينا من خزاعة يخبره عن قريش وسار عليه الصلاة و السلام حتى كان بغدير الأشطاط قريبا من عسفان أتاه عينه فقال : إن قريشا جمعوا لك جموعا وقد جمعوا لك الأحابيش وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فاستشار الناس في الأغارة على ذراري من أعانهمفقال أبو بكر : الله تعالىورسوله أعلم يا نبي الله إنما جئنا معتمرين ولم نجيء لقتال أحد ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه فقال صلى الله عليه و سلم : امضوا على اسم الله فسار حتى نزل بأقصى الحديبية فجاءه بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه فقال له إني قد تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا قريبا معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال عليه الصلاة و السلام : إنالم نجيء لقتال أحد ولكن معتمرين وإن قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم فماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادواوأن أظهرني الله تعالى