كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)
عليهم دخلوا الأسلام وافرين وإن لم يفعلوا قاتلتهم وبهم قوة فما تظن قريش فو الله لا أزالأجاهدهم على الذي بعثني الله تعالى به حتى يظهره الله تعالى أو تنفرد هذه السالفة فقال بديل : سأبلغهم ما تقول فبلغهم فقال عروة ابن مسعود الثقفي لهم : دعوني آته فأتاه عليه الصلاة و السلام فقال له نحو ما قال لبديل وجرى من الكلام ما جرى ورأى من احترام الصحابة رسول الله صلى الله عليه و سلم وتعظيمهم إياه ما رأى فرجع إلى أصحابه فأخبرهمبذلك وقال لهم : إنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقال رجل من بني كنانة : دعوني آته فلما أشرف على النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه قال عليه الصلاة و السلام : هذافلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعث واستقبله القوم يلبون فلما رأى ذلك قال : سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت فرجع وأخبر أصحابه فقال رجل يقال له مكرز بن حفص : دعوني آته فلما أشرف قال عليه الصلاة و السلام : هذا مكرز وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي صلى الله عليه و سلم فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو وأخو بني عامر بن لؤي فقال صلى الله عليه و سلم : قد سهل لكم من أمركموكان قد بعثه قريش وقالوا له : أئت محمدا فصالحه ولا يكن في صلحه إلا أن يرجع عنا عامه هذا فو الله لا تتحدث العرب أنه دخلها علينا عنوة فلما انتهى إليه عليه الصلاة و السلام تكلم فأطال وانتهى الأمر إلى الصلح وكتابة كتاب في ذلك فدعا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عليا كرم الله تعالىوجهه فقال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل : لا أعرف هذا ولكن أكتب باسمك اللهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : اكتب باسمك اللهم فكتبها ثم قال : اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو فقال سهيل : لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب اسمك واسم أبيك فقال عليه الصلاة و السلام : والله إني لرسول الله وإنكذبتموني أكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو صلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يامن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض على أنه من أتى محمدا من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ومن جاء قريشا ممن مع محمد لم يردوه عليه وإن بيننا عيبة مكفوفة وأنه لا أسلال ولا أغلال وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه وإن محمدا يرجع عن مكة عامه فلايدخلها وأنهإذا كان عام قابل خرج أهلمكة فدخلها بأصحابه فأقام بها ثلاثا معه سلاح الراكب السيوف في القرب لا يدخلها بغيرها
وظاهر هذا الخبر أنسهيلا لم يرض أنيكتب محمد رسول الله قبل أن يكتب وجاء في رواية أنهكتب فلم يرض فقال النبي عليه الصلاة و السلام لعلي كرم الله تعالى وجهه : امحه فقال : ما أنا بالذي أمحاه وجاء هذا في رواية للبخاري ولمسلم وفي رواية للبخاري في المغازي فأخذ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله وكذا أخرجه النسائي وأحمد ولفظه فأخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب فكتب مكان رسول الله هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله وتمسك بظاهر هذه الرواية كما في فتح الباري أبو الوليد الباجي على أن النبي عليه الصلاة و السلام كتب بعد أن لم يكن يحسن أن يكتب ووافقه على ذلك شيخه أبو ذر الهروي وأبو الفتح النيسابوري وآخرون من علماء افريقية والجمهور على أنه عليه الصلاة و السلام لم يكتب وإن قوله : وأخذ الكتاب وليس يحسن أنيكتب لبيان أنه عليه الصلاة و السلام احتاج لأنيريه علي كرم الله تعالى وجهه موضع الكلمة التي امتنع منمحوها لكونه كان لا يحسن الكتابة وقوله : فكتب بتقدير فمحاها فأعاد الكتاب لعلي فكتب أو أطلق فيه كتب علي أمر بالكتابة وتمام الكلام