كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

يبدأ بالجانب الأيمن فقد أخرج ابن أبي شيبة عن أنس أنه رأى النبيصص قال للحلاق هكذا وأشار بيده إلى جانب الأيمنوإن يبلغ به إلى العظمين كما قال عطاء
وأخرج ابن أبي شيبة أيضا عن ابن عباس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم أنهما كانا يقولان للحلاق أبدا بالأيمن وأبلغ بالحلق العظمين واستدل بالآية أيضا على أن التقسير بالرأس دون اللحية وسائر شعر البدن إذ الظاهر أن المراد ومقصرين رؤسكم أي شعرها لظهور أن الرؤس أنفسها لا تقصر فعلم ما لم تعلموا الظاهر عطفه على لقد صدق فالترتيب باعتبار التعلق الفعلي بالمعلوم أي فعلم عقيب ما أراه الرؤيا الصادقة ما لم تعلموا من الحكمة الداعية لتقديم ما يشهد للصدق علما فعليا وقيل : الفاء للترتيب الذكري فجعل لأجل هذا العلم من دون ذلك أي من دون تحقق مصداق ما أراه من دخول المسجد الحرام آمنين الخ وقيل : أي من دون فتح مكة والأول أظهر وهذا أنسب بقوله تعالى : فتحا قريبا
27
- وهو فتح خيبر كما قال ابن زيد وغيره والمراد بجعله وعده تعالى وإنجازه من غير تسويف ليستدل به على صدق الرؤيا وتستروح قلوب المؤمنين إلى تيسر وقوعها
وقال في الكشاف : ما لم تعلموا أي من الحكمة في تأخير فتح مكة إلى العام القابل وفيه أمران الأول أن فتح مكة لم يقع في العام الذي قاله بل في السنة الثامنة والتجوز في العام القابل أو تأويل الفتح بدخول المؤمنين مكة معتمرين لا يخفى حاله الثاني إباه الفاء عما ذكر لأن علمه تعالى بذلك متقدم على إرادة الرؤيا قطعا
وأجيب عن هذا بالتزام كون الفاء للترتيب الذكري أو كون المراد فأظهر معلومه لكم وهو الحكمة فتدبر
ونقل عن كثير من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أن الفتح القريب في الآية هو بيعة الرضوان وقال مجاهد وابن إسحاق : هو فتح الحديبية ومن الغريب ما قيل : إن المراد به فتح مكة مع أنه لم يكن دخول الرسول عليه الصلاة و السلام وأصحابه دون مكة على أنه مناف للسياق كما لا يخفى
هو الذي أرسل رسوله بالهدى أي ملتبسا به على أن الباء للملابسة والجار والمجرور في موضع الحال من المفعول والتباسه بالهدى بمعنى هاد وقيل : أي مصاحبا للهدى والمراد الدليل الواضح والحجة الساطعة أو القرآن وجوز أن تكون الباء للسببية أو للتعليل وهما متقاربان والجار والمجرور متعلق بأرسل أي أرسله بسبب الهدى أو لأجله ودين الحق وبدين الأسلام والظاهر أن المراد به ما يعم الأصول والفروع وجوز أن يراد بالهدى الأصول وبدين الحق الفروع فإن من الرسل عليهم السلام من لم يرسل بالفروع وإنما أرسل بالأصول وتباينها والظاهر أن المراد بالحق نقيض الباطل وجوز أن يراد به ما هو من أسمائه تعالى أي ودين الله الحق وجوز الإمام غير ذلك أيضا ليظهره على الدين كله ليعليه على جنس الدين بجميع أفراده أي ما يدان به من الشرائع والملل فيشمل الحق والباطل وأصل الإظهار جعل الشيء على الظهر كني به عن الإعلاء وعن جعله باديا للرائي ثم شاع في ذلك حتى صار حقيقة عرفية وإظهاره على الحق بنسخ بعض أحكامه المتبدلة بتبديل الأعصار وعلى الباطل ببيان بطلانه وجوز غير واحد ولعله الأظهر بحسب المقام أن يكون إظهاره على الدين بتسليط المسلمين على جميع أهل الأديان

الصفحة 122