كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)
وقالوا : ما من أهل دين حاربوا المسلمين إلا وقد قهرهم المسلمون ويكفي في ذلك استمرار ما ذكر زمانا معتدا به كما لا يخفى على الواقفين على كتب التواريخ والوقائع وقيل : إن تمام هذا الأعلاء عند نزول عيسى عليه السلام وخروج المهدي رضي الله تعالى عنه حيث لا يبقى حينئذ دين سوى الأسلام ووقوع خلاف ذلك بعد لا يضر إما لنحو ما سمعت وإما لأن الباقي من الدنيا إذ ذاك كلا شيء وفي الجملة فضل تأكيد لما وعد الله تعالى به من الفتح وتوطين لنفوس المؤمنين على أنه تعالى سيفتح لهم من البلاد ويتيح لهم من الغلبة على الأقاليم ما يستقلون بالنسبة إليه فتح مكة وكفى بالله شهيدا
28
- على ما عده عز و جل من إظهار دينه على جميع الأديان أو القتح كائن لا محالة أو كفى بالله شهيدا على رسالته صلى الله تعالى عليه وسلم لأنه عليه الصلاة و السلام ادعاها وأظهر الله تعالى المعجزة على يده وذلك شهادة منه تعالى عليها واقتصر على هذا الوجه الرازي وجعل ذلك تسلية عما وقع من سهيل بن عمرو إذ لم يرض بكتابة محمد رسول الله وقال ما قال
وجعل بعض الأفاضل إظهار المعجزة شهادة منه تعالى على تحقق وعده عز و جل ولا يظهر إلا بضم إخباره عليه الصلاة و السلام به
محمد رسول الله أي هو أو ذلك الرسول المرسل بالهدى ودين الحق محمد على أن الأسم الشريف خبر مبتدأ محذوف و رسول الله عطف بيان أو نعت أو بدل والجملة استئناف مبين لقوله تعالى : هو الذي أرسل رسوله وهذا هو الوجه الأرجح الأنسب بالمساق كما في الكشف ويؤيده نظرا إلى بعض ما يأتي من الأوجه إن شاء الله تعالى قراءة ابن عامر في رواية رسول بالنصب على المدح وقوله تعالى : والذين معه مبتدأ خبره قوله سبحانه : أشداء على الكفار رحماء بينهم وقال أبو حيان : الظاهر أن محمد رسول الله مبتدأ وخبر والجملة عليه مبنية للمشهود به أما على كونه الرسالة فظاهر وأما على كونه محقق الوعد فقيل : لأن كينونة ما وعد لازمة لكونه عليه الصلاة و السلام رسول الله إذ هو لا يوعد إلا بما هو محقق ولا يخبر إلا عن كل صدق
وجوز كون محمد مبتدأ و رسول تابعا له والذين معه عطفا عليه والخبر عنه وعنهم قوله تعالى : أشداء الخ وقرأ الحسن أشداء رحماء بنصبهما فقيل على المدح وقيل على الحال والعامل فيهما العامل في معه فيكون الخبر على هذا الوجه جملة تراهم الآتي وكذا خبر الذين على الوجه الأول والمراد بالذين معه عند ابن عباس من شهيد الحديبية وقال الجمهور : جميع أصحابه صلى الله تعالى عليه وسلم ورضي الله تعالى عنهم و أشداء جمع شديد و رحماء جمع رحيم والمعنى أن فيهم غلظة وسدة على أعداء الدين ورحمة ورقة على أخوانهم المؤمنين وفي وصفهم بالرحمة بعد وصفهم بالشدة تكميل واحتراس فإنه اكتفى بالوصف الأول لربما توهم أن مفهوم القيد غير معتبر فيتوهم الفظاعة والغلظة مطلقا فدفع بإرادف الوصف الثاني ومآل ذلك أنهم مع كونهم أشداء على الأعداء رحماء على الأخوان ونحوه قوله تعالى : أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين وعلى هذا قوله : حليم إذا ما الحلم زين أهله على أنه عند العدو مهيب وقد كما روي عن الحسن من تشددهم على الكفار أنهم كانوا يتحرزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم ومن أبدانهم أن تمس أبدانهم وبلغ من ترحمهم فيما بينهم أنه كان لا يرى مؤمن مؤمنا إلا صافحه وعانقه والمصافحة لم يختلف فيها الفقهاء أخرج أبو داود عن البراء قال قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : إذا التقي المسلمان