كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)
وجاء سيماء بالمد واشتقاقها من السومة بالضم العلامة تجعل على الشاة والياء مبدلة من الواو وهي مبتدأ خبره قوله تعالى : في وجوههم أي في جباههم أو هي على ظاهرها وقوله سبحانه : من أثر السجود حال من المستكن في الجار والمجرور الواقع خبرا لسيماهم أو بيان لها أي سيماهم التي هي أثر السجود ووجه إضافة الأثر إلى السجود أنه حادث من التأثير الذي يؤثره السجود وشاع تفسير ذلك بما يحدث في جبهة السجاد مما يشبه أثر الكي ونفنة البعير وكان كل من العليين علي بن الحسن زين العابدين وعلي بن عبد الله بن عباس أبي الأملاك رضي الله تعالى عنهما يقال له ذو الثفنات لأن كثرة سجودهما أحدث من مواقعه منهما أشباه ثفنات البعير وهي ما يقع على الأرض من أعضائه إذا غلظ وما روي من قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : لا تعلبوا صوركم أي لا تسموها من العلب بفتح العين المهملة وسكون اللام الأثر وقول ابن عمر وقد رأى رجلا بأنفه أثر السجود : إن صورة وجهك أنفك فلا تعلب وجهك ولا تشن صورتك فذلك إنما هو إذا اعتمد بجبهته وأنفه على الأرض لتحدث تلك السمة وذلك محض رياء ونفاق يستعاذ بالله تعالى منه والكلام فيما حدث في وجه السجاد الذي لا يسجد إلا خالصا لوجه الله عز و جل وأنكر بعضهم كون المراد بالسيما ذلك
أخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن حميد بن عبد الرحمن قال : كنت عند السائب بن يزيد إذ جاء رجل وفي وجهه أثر السجود فقال : لقد أفسد هذا وجهه أما والله ما هي السيما التي سمى الله تعالى ولقد صليت على وجهي منذر ثمانين سنة ما أثر السجود بين عيني وربما يحمل على أنه استشعر من الرجل تعمدا لذلك فنفي أن يكون ما حصل به هو السيما التي سمى الله تعالى ونظيره ما حكى عن بعض المتقدمين قال : كنا نصلي فلا يرى بين أعيننا شيء ونرى أحدنا الآن يصلي فترى بين عينيه ركبة البعير فما ندري أثقلت الأرؤس أم خشنت الأرض
وأخرج ابن جرير وجماعة عن سعيد بن جبير أنه قال : هذه السيما ندري الطهور وتراب الأرض وروي نحوه عن سعيد بن المسيب وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد أنه قال : ليس له أثر في الوجه ولكنه الخشوع وفي رواية هي الخشوع والتواضع وقال منصور : سألت مجاهدا أهذه السيما هي الأثر يكون بين عيني الرجل قال : لا وقد يكون مثل ركبة البعير وهو أقسى قلبا من الحجارة وقيل : هي صفرة الوجه من سهر الليل وروي ذلك عن عكرمة والضحاك وروي السلمي عن عبد العزيز المكي ليس ذاك هو النحول والصفرة ولكنه يظهر على وجوه العابدين يبدو من باطنهم على ظاهرهم يتبين ذلك للمؤمنين ولو كان في زنجي أو حبشي وقال عطاء : والربيع بن أنس : هو حسن يعتري وجوه المصلين وأخرج ابن المنذر وابن جرير وابن حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : السمت الحسن وعن بعضهم ترى على وجوههم هيبة لقرب عهدهم بمناجاة سيدهم والذاهبون إلى هذه الأقوال قائلون : إن المراد علامتهم في وجوههم وهم في الدنيا وقال غير واحد : هذه السيما في الآخرة أخرج البخاري في تاريخه وابن نصر عن ابن عباس أنه قال في الآية : بياض يغشى وجوههم يوم القيامة وأخرج ابن نصر وعبد بن حميد وابن جرير هم الحسن مثله وأخرجوا عن عطية العوفي قال : موضع السجود أشد وجوههم بياضا وأخرج الطبراني في الأوسط والصغير وابن مردويه بسند حسن عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى : سيماهم في وجوههم من أثر السجود النور يوم القيامة ولا يبعد أن يكون النور علامة في وجوههم في الدنيا والآخرة