كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

بعضا فهم جامعون لصفتي الجلال والجمال سيماهم في وجوههم من أثر السجود له عز و جل وعدم السجود لشيء من الدنيا والأخرى وتلك السما خلع الأنوار الإلهية قال عامر بن عبد قيس : كاد وجه المؤمن يخبر عن مكنون عمله وكذلك وجه الكافر وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة سترا لصفاتهم بصفاته عز و جل وأجرا عظيما وهو أن يتجلى لهم بأعظم تجلياته وأفكل شيء دونه جلاله ليس بعظيم وسبحانه من إله رحيم وملك كريم
سورة الحجرات
مدنية كما قال الحسن وقتادة وعكرمة وغيرهم في مجمع البيان عن ابن عباس إلا آية وهي قوله تعالى : يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ولعل من يعتبر ما أخرجه الحاكم في مستدركه والبيهقي في الدلائل والبزار في مسنده من طريق الأعمش عن علقمة عن عبد الله قال : ما كان يا أيها الذين آمنوا أنزل بالمدينة وما كان يا أيها الناس فبمكة يقول بمكية استثنى والحق أن هذا ليس بمطرد وذكر الخفاجي أنها في قول شاذ مكية وهي ثماني عشرة آية بالأجماع ولا يخفى تواخيها مع ما قبلها لكونهمامدنيتين مشتملتين على أحكام وتلك فيها قتال الكفار وهذه فيها قتال البغاة وتلك ختمت بالذين آمنوا وهذه فتتحت بالذين آمنوا وتلك تضمنت تشريفات له صلى الله تعالى عليه وسلم خصوصا مطلعها وهذه أيضا في مطلعها أنواع من التشريف له عليه الصلاة و السلام وفي البحر مناسبتها لآخر ما قبلها ظاهر لأنه عز و جل ذكر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه قال سبحانه وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات الخ فربما من المؤمن عامل الصالحات بعض شيء مما ينبغي أن ينهي عنه فقال جل وعلا تعليما للمؤمنين وتهذيبا لهم بسم الله الرحمن الرحيم يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله وتصدير الخطاب بالنداء لتنبيه المخاطبين على أن ما في حيزه أمر خطير يستدعي مزيد اعتنائهم وفرط اهتمامهم بتلقيه ومراعاته ووصفهم بالإيمان لتنشيطهم والإيذان بأنه داع للمحافظة عليه ورادع عن الأخلال به
و تقدموا من قدم المتعدي ومعناه جعل الشيء قادما أي متقدما على غيره وكان مقتضاه أن يتعدى إلىمفعولين لكن الأكثر في الأستعمال تعديته إلى الثاني بعلى تقول : قدمت فلانا على فلان وهو هنا محتمل احتمالين الأول أن يكون مفعوله نسيا والقصد فيه إلى نفس الفعل وهو التقديم من غير اعتبار تعلقه بأمر من الأمور ولا نظر إلى أن المقدم ماذا هو على طريقة قوله تعالى : هو الذي يحيي ويميت وقولهم : يعطي ويمنع فالمعنى لا تفعلوا التقديم ولا تتلبسوا به ولا تجعلوه منكم بسبيل والثاني أن يكون قد حذف مفعوله قصدا إلى تعميمه لأنه لاحتماله لأمور لو قدر أحدها كان ترجيحا بلا مرجح يقرد أمرا عاما لأنه أفيد مع الأختصار فالمعنى لا تقدموا أمرا من الأمور والأول قيل أوفى بحق المقام لأفادته النهي عن التلبس بنفس الفعل الموجب لانفائه بالكلية المستلزم لانتفاء تعلقه بمفعوله بالطريق البرهاني ورجح الثاني بأنه أكثر استعمالا وبأن في الأول تنزيل المتعدي منزلة اللازم وهو خلاف الأصل والثاني سالم منه والحذف وإن كان خلاف الأصل أيضا أهون من التنزيل المذكور لكثرته بالنسبة إليه وبعضهم لم يفرق بينهما لتعارض الترجيح عنده وكون مآل المعنى عليهما العموم المناسب للمقام وذكر أن في الكلام تجوزين أحدهما في

الصفحة 131