كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

اعتبر ذلك لأنه لا يجوز إرادة المعنى الموضوع له هنا فلا يصح كونه كناية عند من يشترط فيها إرادة الحقيقة ومن اكتفى فيها بجواز الإرادة وإن امتنعت في محل الأستعمال لم يحتج إلى ذلك الأعتبار واختار الشهاب كون الأمتحان مجازا عن الصبر بعلاقة اللزوم وحاصل المعنى عليه كحاصله على الكناية أي أنهم صبر على التقو أقوياء عل مشاقها أو المراد بالأمتحان المعرفة كما حكي عن الجبائي مجازا من باب إطلاق السبب وإرادة المسبب والمعن عرف الله قلوبهم للتقو وإسناد المعرفة إليه عز و جل بغير لفظها غير ممتنع وهو في القرآن الكريم شائع وعلى أن الصحيح جواز الأسناد مطلقا لما في نهج البلاغة من إطلاق العارف عليه تعالىى : وقد ورد الحديث أيضا على ما ادعاه بعض الأجلة واللام صلة لمحذوف وقع حالا من قلوبهم أي كائنة للتقوى مختصة بها فهو نحو اللام في قوله : وقصيدة رائقة ضوعتها أنت لها أحمد من بين البشر وقوله : أعداء من لليعملات على الوجى وأضياف ليل بيتوا للنزول أو هي صلة لامتحن باعتبار معنى الأعتياد أوالمراد ضرب الله تعالى قلوبهم بأنواع المحن والتكاليف الشاقة لأجل التقوى أي لتظهر ويعلم أنهم متقون إذ لا تعلم حقيقة التقوى إلا عند المحن والأصطبار عليها وعلى هذا فالأمتحان هو الضرب بالمحن واللام للتعليل على معنى أن ظهور التقوى هو الغرض والعلة وإلا فالصبر عل المحنة مستفاد من التقو لا العكس أو المراد أخلصها للتقوى أي جعلها خالة لأجل التقوى أو أخلصها لها فلم يبق لغير التقو فيها حق كأن القلوب خلصت ملكا للتقوى وهذا أبلغ وهو استعارة من امتحان الذهب وإذابته لخلص أبرزه من خبثه ونق أو تمثيل وتفسير امتحن بأخلص رواه ابن جرير وجماعة عن مجاهد وروي ذلك أيضا عن الكعبي وأبي مسلم وقال الواحدي : تقدير الكلام امتحن الله قلوبهم فأخلصها للتقوى فحذف الأخلاص لدلالة الأمتحان عليه وليس بذاك واختار صاحب الكشف ما نقل عنه أولا فقال : الأول أرجح الوجوه لكثرة فائدته من الكناية والأسناد والدلالة على أن مثل هذا الغض لا يتأتى إلا ممن هو مدرب للتقوى صبور عليها فتأمل لهم في الآخرة مغفرة لذنوبهم وأجر عظيم
3
- لغضهم أصواتهم عند النبي عليه الصلاة و السلام ولسائر طاعاتهم وتنكير مغفرة وأجر للتعظيم ففي وصف أجر بعظيم مبالغة في عظمه فإنه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وجملة لهم الخ مستأنفة لبيان جزاء الغاضين إحمادا لحالهم كما أخبر عنهم بجملة مؤلفة من معرفتين والمبتدأ اسم الأشارة المتضمن لما جعل عنونا لهم والخبر الموصول بصلة دلت على بلوغهم أقصى الكمال مبالغة في الأعتداد بغضهم والأرتضاء له وتعريضا بشناعة الرفع والجهر وإن حال المرتكب لهما على خلاف ذلك وقيل الجملة خبر ثان لإن بذاك والآية قيل : أنزلت في الشيخين رضي الله تعالى عنهما لما كان منهما من غض الصوت والبلوغ به أخا السرار بعد نزول الآية السابقة وفي حديث الحاكم وغيره عن محمد بن ثابت بن قيس أنه قال بعد حكاية قصة أبيه وقوله : لا أرفع صوتي أبدا على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأنزل الله تعالى إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله الآية
وأنت تعلم أن حكمها عام ويدخل الشيخان في عمومها وكذا ثابت بن قيس وقد أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : لما أنزل الله تعالى أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقو قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم

الصفحة 138