كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

الباقي وظاهر كلامه أنهم ليسوا من بني تميم وإن كانت هذه السرية متحدة مع السرية التي أشار إليها الواقدي فيما تقدم ويقال : إن عيينة في الكلامين هو عيينة بن حصن ابن بدر إلا أنه نسب هناك إلى جده وهنا إلى أبيه كان ذلك الكلام ظاهرا في أن القوم كانوا من بني تميم لا أناسا آخرين وفي القاموس العنبر أبو حي من تميم فبنو العنبر عليه منهم فلم يخرج الأمر عنهم
ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم أي ولو ثبت صبرهم وانتظارهم حتى تخرج لكان الصبر خيرا لهم من الأستعجال لما فيه من حفظ الأدب وتعظيم النبي صلى الله عليه و سلم الموجبين للثناء والثواب أو لذلك والإسعاف بالمسئول على أوفق وجه وأوقعه عندهم بناء على حديث الأسارى بأن يطلق عليه الصلاة و السلام الجميع من غير فداء فأن المفتوحة المؤولة بالمصدر هنا فاعل فعل مقدر وهو ثبت كما اختاره المبرد والقرينة عليه معنى الكلام فإن أن تدل على الثبوت وهو إنما يكون في الماضي حقيقة ولذا يقدر الفعل ماضيا
وضمير كان للمصدر الدالعليه صبروا كما في قولك : من كذب كان شرا له أي الكذب ومذهب سيبويه أن المصدر في موضع المبتدأ فقيل : خبره مقدر أي لو صبرهم ثابت وقيل : لا خبر له وأنت تعلم أن في تقدير الفعل إبقاء لو على ظاهرها من دخولها على الفعل فإنها في الأصل شرطية مختصة به وجوز كون ضمير كان لمصدر الفعل المقدر أي لكان ثبوت صبرهم وصنيع الزمخشري يقتضي أولويته
وأوثرت حتى هنا على إلى لأنها موضوعة لما هو غاية في نفس الأمر ويقال له الغاية المضروبة أي المعنية وإلى لما هو غاية في نفس الأمر أو بجعل الجاعل وإليه يرجع قول المغاربة وغيرهم : إن مجرور حتى دون مجرور إلى لا بد من كونه آخر جزء نحو أكلت السمكة حتى رأسها أو ملاقيا له نحو سلام هي حتى مطلع الفجر ولا يجوز سهرت البارحة حتى ثلثيها أو نصفيها فيفيد الكلام معها أن انتظارهم إلى أن يخرج صلى الله عليه و سلم أمر لازم ليس لهم أن يقطعوا أمرا دون الأنتهاء إليه فإن الخروج لما جعله الله تعالى غاية كان كذلك في الواقع وإلى هذا ذهب الزمخشري وتوهم ابن مالك أنه لم يقل به أحد غيره واعترض عليه بقوله : عينت ليلة فما زلت حتى نصفها راجيا فعدت يؤسا وأجيب بأنه على تسليم أنه من كلام من يعتد به مع أنه نادر شاذ لا يرد مثله نقضا مدفوع بأن معنى عينت ليلة عينت وقتا للزيارة وزيارة الأحباب يتعارف فيها أن تقع في أول الليل فقوله : حتى نصفها بيان لغاية الوقت المتعارف للزيادة الذي هو أول الليل والنصف ملاق له وهو أولى من قول ابن هشام في المغنى : أن هذا ليس محل الأشتراط إذ لم يقل : فما زلت في تلك الليلة حتى نصفها وإن كان المعنى عليه وحاصله أن الأشتراط مخصوص فيما إذا صرح بذي الغاية إذ لا دليل على هذا التخصيص وخفاء عدم الأكتفاء يتقديم ليلة في صدر البيت نعم ما ذكر من أصله لا يخلو عن كلام كما أشير إليه كلام صاحب الكشف ولذا قال الأظهر : إنه أوثر حتى تخرج اختصارا لوجوب حذف أن ووجوب الأظهار في إلى مع أن حتى أظهردلالة على الغاية المناسبة للحكم وتخالف ما بعدها وما قبلها ولهذا جاءت للتعليل دون إلى وفي قوله تعالى : إليهم إشعار بأنه عليه الصلاة و السلام لو خرج لا لأجلهم ينبغي أن يصبروا حتى يفاتحهم بالكلام أو يتوجه إليهم فليس زائدا بل قيد لا بد منه والله غفور رحيم
5
- بليغ المغفرة والرحمة فلذا اقتصر سبحانه على

الصفحة 143