كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

النصح والتقريع لهؤلاء المسيئين الأدب التاركين تعظيم رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم وقد كان مقتضى ذلك أن يعذبهم أو يهلكهم أو فلم تضق ساحة مغفرته ورحمته عز و جل عن هؤلاء إن تابوا وأصلحوا ويشير إلى هذا قوله صلى الله تعالى عليه وسلم للقرع بعد أن دنا منه عليه الصلاة و السلام وقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله : ما يضرك ما كان قبل هذا وفي الآيات من الدلالة على قبح سوء الأدب مع الرسول صلى الله عليه و سلم ما لا يخفى ومن هذا وأمثاله تقتطف ثمر الأنباب وتقتبس محاسن الآداب كما يحكى عن أبي عبيد وهو في الفضل هو أنه قال : ما دققت بابا على عالم حتى يخرج في وقت خروجه ونقله بعضهم عن القاسم ابن سلام الكوفي ورأيت في بعض الكتب أن الحبر ابن عباس كان يذهب إلى أبي في بيته لأخذ القةن العظيم عنه فيقف عند الباب ولا يدق الباب عليه حتى يخرج فاستعظم ذلك أبي منه فقال له يوما : هلا دققت الباب يا ابن عباس فقال : العالم في قومه كالنبي في أمته وقد قال الله تعالى في حق نبيه عليه الصلاة و السلام : ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم وقد رأيت هذه القصة صغيرا فعملت بموجبها مع مشايخي والحمد لله تعالى على ذلك
يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أخرج أحمد وابن أبي الدنيا والطبراني وابن منده وابن مردويه بسند جيد عن الحرث بن أبي ضرار الخزاعي قال : قدمت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فدعاني إلى الأسلام فدخلت فيه وأقررت به ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت : يا رسول الله أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الأسلام وإداء الزكاة فمن استجاب لي جمعت زكاته وترسل إلي يا رسول الله رسولا لإبان كذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة فلما جمع الحرث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يبعث إليه احتبس الرسول فلم يأت فظن الحرث أن قد حدث فيه سخطة من الله تعالى ورسوله عليه الصلاة و السلام فدعا سروات قومه فقال لهم : رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم كان وقت لي يرسل إلى رسوله ليقبض ما كان عندنا من الزكاة وليس من رسول الله عليه الصلاة و السلام الخلف ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطه فانطلقوا بنا نأتي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وبعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم الوليد بن عقبة بن أبي معيط وهو أخو عثمان رضي الله تعالى عنه لأمه إلى الحرث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة فلما أن سار الوليد إلى أن بلغ الطريق فرق فرجع فأتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال إن الحرث منعني الزكاة وأراد قتلي فضرب رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم البعث إلى الحرث فأقبل الحرث بأصحابه حتى إذا استقبله الحرث وقد فصل عن المدينة قالوا : هذا الحرث فلما غشيهم قال لهم : إلى من بعثتم قالوا : إليك قال : ولم قالوا : إن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله قال : لا والذي بعث محمدا بالحق ما رأيته بتة ولا أتاني فلما دخل الحرث على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : منعت الزكاة وأردت قتل رسولي قال : لا والذي بعثك بالحق مارأيته ولا رآني ولا أقبلت إلا حين احتبس على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خشية أن يكون سخطة من الله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وسلم فنزل يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم إلى قوله سبحانه : حكيم وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : أتى

الصفحة 144