كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

فيه ثقة ببركة صحبة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومزيد ثناء الله عز و جل عليهم كقوله سبحانه وكذلك جعلناكم أمة وسطا أي عدولا وقوله سبحانه : كنتم خير أمة أخرجت للناس إلى غير ذلك وحينئذ إن أريد بقوله : إن من الصحابة من ليس بعدل إن منهم من ارتكب في وقت ما ما ينافي العدالة فدلالة الآية عليه مسلمة لكن ذلك ليس محل النزاع وإن أريد به أن منهم من استمر على ما ينافي العدالة فدلالة الآية عليه مسلمة كما لا يخفى فتدبر فالمسألة بعد تتحمل الكلام وربما تقبل زيادة قول خامس فيها هذا ثم اعلم أن الفاسق قسمان فاسق غير متأول وهو ظاهر ولا خلاف في أنه لا يقبل خبره وفاسق متأول كالجبري والقدري ويقال له المبتدع بدعة واضحة فمن الأصوليين من رد شهادته وروايته للآية ومنهم الشافعي والقاضي ومنهم من قبلها أما الشهادة فلأن ردها لتهمة الكذب والفسق من حيث الأعتقاد لا يدل عليه بل هو إمارة الصدق لأن موقعه فيه تعمقه في الدين والكذب حرام في كل الأديان لا سيما عند من يقول بكفر الكاذب أو خروجه من الإيمان وذلك يصده عنه إلا من يدين بتصديق المدعي المتحلي بحليته كالخطابية وكذا من اعتقد بحجية الألهام وقد قال عليه الصلاة و السلام : نحن نحكم بالظاهر وأما الرواية فلأن من احترز عن الكذب على غير الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم فاحترازه من الكذب عليه الصلاة و السلام أولى إلا من يعتقد حل وضع الأحاديث ترغيبا أو ترهيبا كالكرامية أو ترويجا لمذهبه كابن الراوندي وأصحابنا الحنفية قبلوا شهادتهم لما مر دون روايتهم إذا دعوا الناس إلى هواهم وعلى هذا جمهور أئمة الفقه والحديث لأن الدعوة إلى ذلك داعية إلى النقول فلا يؤتمنون على الرواية يقولا كذلك الشهادة ورجح ما ذهب إليه الشافعي والقاضي بأن الآية تقتضيه والعمل بها أولى من العمل بالحديث لتواترها وخصوصها والعام يحتمل التخصيص ولأنها لم تخصص إذ كل فاسق مردود والحديث خص منه خبر الكافر وأجيب بأن مفهومها أن الفسق هو المقتضى للتثبت فيراد به ما هو أمارة الكذب لا ما هو أمارة الصدق فافهم وليس من الفسق نحو اللعب بالشطرنج من مجتهد يحله أو مقلد له صوبنا أو خطأنا لوجوب العمل بموجب الظن ولا تفسيق بالواجب
وحد الشافعي عليه الرحمة شارب النبيذ ليس لأنه فاسق بل لزجره لطهور التحريم عنده ولذا قال : أحده وأقبل شهادته وكذا الحد في شهادة الزنا لعدم تمام النصاب لا يدل على الفسق بخلافه في مقام القذف فليحفظ
أن تصيبوا تعليل للأمر بالتبين أي فتبينوا كراهة أن تصيبوا أو لئلا تصيبوا قوما أي قوم كانوا بجهالة ملتبسين بجهالة ومآله جاهلين حالهم فتصبحوا فتصيروا بعد ظهور براءتهم عما رموا به على ما فعلتم في حقهم نادمين
6
- مغتمين غما لازما متمنين أنه لم يقع فإن الندم الغم على وقوع شيء مع تمني عدم وقوعه ويشعر باللزوم وكذا سائر تصاريف حروفه وتقاليبها كمدن بمعنى لزم القامة ومنه المدينة وأدمن الشيء أدام فعله وزعم بعضهم أن في الآية إشارة إلى أنه يجب على الأنسان تجديد الندم كلما ذكر الذنب ونسب إلى الزمخشري وليس بشيء وفي الكشف التحقيق أن الندم غم خاص ولزومه قد يقع لقوته في أول الأمر وقد يكون لعدم غيبة موجبه عن الخاطر وقد يكون لكثرة تذكره ولغير ذلك من الأسباب وإن تجديد الندم لا يجب في التوبة لكن التائب الصادق لا بد له من ذلك
واعلموا أن فيكم رسول الله عطف على ما قبله و أن بما في حيزها ساد مسد مفعولي اعلموا

الصفحة 147