كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال : كان رجل من الأنصار يقال له عمران تحته امرأة يقال لها أم زيد وأنها أرادت أن تزور أهلها فحبسها زوجها وجعلها في علية له لا يدخل عليها أحد من أهلها وأن المرأة بعثت إلى أهلها فجاء قومها فأنزلوها لينطلقوا بها وكان الرجل قد خرج فاستعان أهله فجاء بنو عمه ليحولوا بين المرأة وأهلها فتدافعوا واجتلدوا بالنعال فنزلت فيهم هذه الآية وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأصلح بينهم وفاءوا إلى أمر الله عز و جل والخطاب فيها على ما في البحر لمن له الأمر وروي ذلك عن ابن عباس وهو للوجوب فيجب الأصلاح ويجب قتال الباغية ما قاتلت وإذا كفت وقبضت عن الحرب تركت وجاء في حديث رواه الحاكم وغيره حكمها إذا تولت قال عليه الصلاة و السلام : يا ابن أم عبد هل تدري كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة قال : الله تعالى ورسوله أعلم قال : لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيؤها ذكروا أن الفئتين من المسلمين إذا اقتتلا على سبيل البغي منهما جميعا فالواجب أن يمشي بينهما بما يصلح ذات البين ويثمر المكافة والموادعة فإن لم يتحاجزا ولم يصطلحا وأقاما على البغي صيرا إلىى مقامتلتهما وإنهما إذا التحم بينهما القتال لشبهة دخلت عليهما وكلتاهما عند أنفسهما محقة فالواجب إزالة الشبهة بالحجج النيرة والبراهين القاطعة وإطلاعهما على مراشد الحق فإن ركبتا متن اللجاج ولم تعملا على شاكلة ما هديتا إليه ونصحتا به من اتباع الحق بعد وضوحه فقد لحقتا باللتين اقتتلا علىى سبيل البغي منهما جميعا والتصدي لآزالة الشبهة في الفئة الباغية إن كانت لازم قبل المقاتلة وقيل : الخطاب لمن يتأتى منه الأصلاح ومقاتلة الباغي فمتى تحقق البغي من طائفة كان حكم إعانة المبغي عليه حكم الجهاد فقد أخرج الحاكم وصححه والبيهقي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال : ما وجدت في نفسي من شيء ما وجدت في نفسي من هذه الآية يعني وإن طائفتان الخ إني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله تعال يعني بها معاوية ومن معه الباغين عل علي كرم الله تعالى وجهه وصرح الحنابلة بأن قتال الباغين أفضل من الجهاد احتجاجا بأن عليا كرم الله تعالى وجهه اشتغل في زمان خلافته لقتالهم دون الجهاد والحق أن ذلك ليس عل إطلاقه بل إذا خشي من ترك قتالهم مفسدة عظيمة دفعها أعظم من مصلحة الجهاد وظاهر الآية أن الباغي مؤمن لجعل الطائفتين الباغة والمبغي عليها من المؤمنين نعم الباغي عل الأمام ولو جائرا فاسق مرتكب لكبيرة إن كان بغيه بلا تأويل أو بتأويل قطعي البطلان والمعتزلة يقولون في مثله : إنه فاسق مخلد في النار أنمات بلا توبة والخوارج يقولون : إنه كافر والإمامية أكفروا الباغي عل علي كرم الله تعال وجهه المقاتل له واحتجوا بما روي من قوله صلى الله عليه و سلم له : حربك حربي وفيه بحث وقرأ ابن مسعود حت يفيئوا إل أمر الله فإن فاؤا فخذوا بينهم بالقسط إنما المؤمنون إخوة استئناف مقرر لما قبله من الأمر بالأصلاح وإطلاق الأخوة عل المؤمنين من باب التشبيه البليغ وشبهوا بالأخوة من حيث انتسابهم إل أصل واحد وهو الإيمان الموجب للحياة الأبدية وجوز أن يكون هناك استعارة وتشبه المشاركة في الإيمان بالمشاركة في أصل التوالد لأن كلا منهما أصل للبقاء إذ التوالد منشأ الحياة والإيمان منشأ البقاء الأبدي في الجنان والفاء في قوله تعالى : فأصلحوا بين أخويكم للإيذان بأن الأخوة الدينية موجبة للأصلاح ووضع الظاهر موضع الضمير مضافا للمأمورين للمبالغة في تأكيد وجوب الأصلاح والتحضيض عليه وتخصيص الأثنين بالذكر لأثبات

الصفحة 151