كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

ويراعى فيه المعنى بخلاف العلم ولذلك قال الشاعر : وقلما أبصرت عيناك ذا لقب
إلا ومعناه إن فتشت في لقبه بدخولها في لكن الشائع في غير ذلك وفي الحديث كنواأولادكم قال عطاء : مخافة الألقاب وقال عمر رضي الله تعالى عنه : أشيعوا الكنى فإنها سنة ولنا في الكنى كلام نفيس ذكرناه في الطراز المذهب فمن أراده فليرجع إليه ومن لم يتب عما نهي عنه من التنابز أو من الأمور الثلاثة السابقة أو مطلقا ويدخل ما ذكر فأولئك هم الظالمون
11
- بوضع العصيان موضع الطاعة وتعريض النفس للعذاب والإفراد أولا والجمع ثانيا مراعاة للفظ ومراعاةللمعنى يأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن أي تباعدوا منه وأصل اجتنبه كان على جانب منه ثم شاع في التباعد اللازم له وتنكير كثيرا ليحتاط في كل ظن ويتأمل حت يعلم أنه من أيالقبيل فإن من الظن ما يباح اتباعه كالظن في الأمور المعاشية ومنه ما يجب كالظن حيث لا قاطع فيه من العمليات كالواجبات الثابتة بغير دليل قطعي وحسن الظن بالله عز و جل ومنه ما يحرم كالظن في الإلهيات والنبوات وحيث يخالفه قاطع وظن السوء بالمؤمنين ففي الحديث إن الله عال حرم من المسلم دمه وعرضه وأن يظن به ظن السوء وعن عائشة مرفوعا من أساء بأخيه الظن فقد أساء بربه الظن إن الله تعالى يقول : اجتنبوا كثيرا من الظن ويشترط في حرمة هذا أن يكون المظنون به ممن شوهد منه التستر والصلاح وأونست منه الأمانة وأما من يتعاطى الريب والمجاهرة بالخبائث كالدخول والخروج إلى خانات الخمر وصحبة الغواني الفاجرات وإدمان النظر إلى المرد فلا يحرم ظن السوء فيه وإن كان الظان لم يره يشرب الخمر ولا يزني ولا يعبث بالشباب أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن سعيد بن المسيب قال : كتب إلى بعض أخواني من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن صنع أمر أخيك على أحسنه ما لم يأتك ما يغلبك ولا تظن بكلمة خرجت من امريء مسلم شرا وأنت تجد لها في الخير محملا ومنعرض نفسه للتهم فلا يلومن إلا نفسه ومن كتم سره كانت الخيرة في يده وما كافيت منعصى الله تعالىفيك بمثل أن تطيع الله تعالى فيه وعليك بأخوان الصدق فكن في اكتسابهم فإنهم زينة في الرخاء وعدة عند عظيم البلاء ولا تهاون بالخلف فيهينك الله تعالى ولا تسألن عما لم يكون ولا تضع حديثك إلا عند من تشتهيه وعليك بالصدق وإن قتلك واعتزل عدوك واحذر صديقفك إلا الأمين إلا من خشي الله تعالى وشاور في أمرك الذين يخشون ربهم بالغيب
وعن الحسن كنا في زمان الظن بالناس حرام وأنتاليوم في زمان اعمل واسكت وظن بالناس ما شئت واعلم أن ظن السوء إن كان اختياريا فالأمر واضح وإذا لم يكن اختياريا فالمنهي عنه العمل بموجبه من احتقار المظنون به وتنقيصه وذكره بما ظن فيه وقد قيل نظير ذلك في الحسد على تقدير كونه غير اختياري ولا يضر العمل بموجبه بالنسبة إلى الظان نفسه كما إذا ظن بشخص أنه يريد به سوءا فتحفظ من أن يلحقه منه أذى على وجه لا يلحق ذلك الشخص به نقص وهو محمل خبر إن من الحزم سوء الظن وخبر الطبراني احترسوا من الناس بسوء الظن وقيل : المنهي عنه الأسترسال معه وترك إزالته بنحو تأويل سببه من خبر ونحوه وإلا فالأمر الغير الأختياري نفسه لا يكون مورد التكليف وفي الحديث قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ثلاث لازمات أمتي الطيرة والحسد وسوء الظن فقال رجل : ما يذهبهن يا رسول الله ممن هن فيه قال : إذا حسدت فاستغفر الله وإذا ظننت

الصفحة 156