كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

فلا تحقق وإذا تطيرت فامض أخرجه الطبراني عن حارثة بن النعمان إن بعض الظن إثم تعليل بالأمر بالأجتناب أولموجبه بطريق الأستئناف التحققي والأثم الذنب الذي يستحق العقوبة عليه ومنه قيل لعقوبته الأثام فعال منه كالنكال قال الشاعر : لقد فعلت هذي النوى بي فعلة أصاب النوى قبل الممات أثامها والهمزة فيه على ما قال الزمخشري بدل من الواو كأنه يثم الأعمالأي يكسرها لكونه يضربها في الجملة وإن لم يحبطها قطعا : وتعقب بأن الهمزة ملتزمة في تصاريفه تقول : إثم يأثم فهو آثم وهذا إثم وتلك آثام وأنإثم من باب علم ووثم من باب ضرب وإنه ذكره في باب الهمزة في الأساس والواوي متعد وهذا لازم
ولا تجسسوا ولا تبحثوا عن عورات المسلمين ومعايبهم وتستكشفوا عما ستروه تفعل منالجس باعتبار ما فيه من معنى الطلب كاللمس فإن من يطلب الشيء يجسه ويلمسه فأريد به ما يلزمه واستعمال التفعل للمبالغة وقرأ الحسن وأبو رجاء وابن سيرين ولاتحسسوا بالحاء من الحس الذي هو أثر الجس وغايته ولهذا يقال لمشاعر الأنسان الحواس والجواس بالحاء والجيم وقيل التجسس والتحسس متحدان ومعناهما معرفة الأخبار وقيل : التجسس بالجيم تتبع الظواهر وبالحاء تتبع البواطن وقيل : الأول أن تفحص بغيرك والثاني أن تفحص بنفسك وقيل : الأول في الشر والثاني في الخير وهذا بفرض صحته غير مراد هنا والذي عليه الجمهور أن المراد على القراءتين النهي عن تتبع العورات مطلقا وعدوه منالكبائر
أخرج أبو داود زابن المنذر وابن مردويه عن أبي برزة الأسلمي قال : خطبنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال : يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تتبعوا عورات المسلمين فإن من تتبع عورات المسلمين فضحه الله تعالى في قعر بيته وفي رواية البيهقي عن البراء بن عازب أنه صلى الله تعالى عليه وسلم نادى بذلك حتى أسمع العواتق في الخدر وأخرج أبو داود وجمكاعة عن زيد بن وهب قلنا لابن مسعود : هل لك في الوليد بن عقبة بن معيط تقطر لحيته خمرا فقال ابن مسعود : قد مهينا عن التجسس فإن ظهر لنا شيء أخذنا به
وقد يحمل مزيد حب النهي عن المنكر عن التجسس وينسى النهي فيعذر مرتكبه كما وقع ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق عن ثور الكندي أن عمر رضي الله تعالى عنه كان يعس بالمدينة فسمع صوت رجل في بيت يتغنى فتسور عليه فوجد عنده امرأة وعنده خمر فقال : يا عدو الله أظننت أن الله تعالى يسترك وأنت على معصية فقال : وأنت يا أمير المؤمنين لا تعجل علي إن كنت عصيت الله تعالى واحدة فقد عصيت الله تعالى في ثلاث قال سبحانه : ولا تجسسوا وقد تجسست وقال الله تعالى : وأتوا البيوت من أبوابها وقد تسورت وقال جل شأنه : لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ودخلت على بغير إذن قال عمر رضي الله تعالى عنه : فهل عندكممن خيران عفوت عنك قال : نعم فعفا عنه وخرج وتركه
وفي رواية سعيد بن منصور عن الحسن أنه قال رجل لعمر رضي الله تعالى عنه : إن فلانا لا يصحو فقال : انظر إلى الساعة التي يضع فيها شرابه فأتني فأتاه فقال : قد وضع شرابه فانطلقا حتى استأذنا عليه فعزل شرابه ثم دخلا فقال عمر : والله إني لأجد ريح شراب يا فلان أنتبهذا فقال : يا ابن الخطاب وأنتبهذا ألم ينهك الله عالى أن تتجسس فعرفها عمر فانطلق وتركه وذكر أن انزجار شربة الخمر ونحوهم إذا توقف على التسور عليهم جازا احتجاجا

الصفحة 157