كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

قدم فيها للقصد إلى القصر وذلك إشارة إلى الحياة المستفادة من الأحياء وما فيه من معنى البعد إشعار ببعد الرتبة أي مثل تلك الحياة البديعة حياتكم بالبعث من القبور لا كشيء مخالف لها وفي التعبير عن إخراج النبات من الأرض بالأحياء وعن أحياء الموتى بالخروج تفخيم لشأن الأنبات وتهوين لأمر البعث وتتحقيق للمماثلة بين إخراج النبات وإحياء الموتى لتوضيح منهاج القياس وتقريبه إلى إفهام الناس وجوز أن يكون الكاف في محل رفع على الأبتداء و الخروج خبر ونقل عن الزمخشري أنه قال : كذلك الخبر وهو الظاهر ولكونه مبتدأ وجه وهو أن يقال : ذلك الخروج مبتدأ وخبر على نحو أبو يوسف أبو حنيفة والكاف واقع موقع مثل في قولك : مثل زيد أخوك ولا يخفى أنه تكلف
وقوله تعالى : كذبت قبلهم قوم نوح إلى آخره استئناف وارد لتقرير حقية البعث اتفاق كافة الرسل عليهم الصلاة والسلام عليها وتكذيب منكريها وفي ذلك أيضا تسلية للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وتهديد للكفرة وأصحاب الرس هو البئر التي لم تبن وقيل : هو واد وأصحابه قيل : هم ممن بعث إليهم شعيب عليه السلام وقيل : قوم حنظلة بن صفوان وثمود
12
- وعاد وفرعون أريد هو وقومه ليلائم ما قبله وما بعده وهذا كما تسمي القبيلة تميما مثلا باسم أبيها وإخوان لوط
13
- قيل : كانوا من أصهاره عليه السلام فليس المراد الأخوة الحقيقية من النسب وأصحاب الأيكة قيل : هم قوم بعث إليهم شعيب عليه السلام غير أهل مدين كانوا يسكنون أيكة وهي الغيطة فسموا بها وقوم تبع الحميري وكان مؤمنا وقومه كفرة ولذا لم يذم هو وذم قومه وقد سبق في الحجر والدخان والفرقان تمام الكلام فيما يتتعلق بما في هذه الآية
كل كذب الرسل أي فيما أرسلوا به من الشرائع التي من جملتها البعث الذي أجمعوا عليه قاطبة أي كل قوم من الأقوام المذكورين كذبوا رسولهم أو كذب كل هؤلاء جميع رسلهم وإفراد الضمير لفظ الكل أو كل واحد منهم كذب جميع الرسل لاتفاقهم على الدعوة إلى التوحيد والأنذار بالبعث والحشر فتكذيب واحد منهم تكذيب للكل والمراد بالكلية التكثير كما في قوله تعالى : وأوتيت من كل شيء وإلا فقد آمن من آمن من قوم نوح وكذا من غيرهم ثم ما ذكر على تقدير رسالة تبع ظاهر ثم على تقدير عدمها وعليه الأكثر فمعنى تكذيب قومه الرسل عليهم السلام تكذيبهم بما قبل من الرسل المجتمعين على التوحيد والبعث وإل ذلك كان يدعوهم تبع
فحق وعيد
14
- أي فوجب وحل عليهم وعيدي وهي كلمة العذاب أفعيينا بالخلق الأول استئناف مقرر لصحة البعث الذي حكيت أحوال المنكرين له من الأمم المهلكة والعي بالأمر العجز عنه لا التعب قال الكسائي : تقول أعييت من التعب وعييت من انقطاع الحيلة والعجز عن الأمر وهذا هو المعروف والأفضح وإن لم يفرق بينهما كثير والهمزة للأنكار والفاء للعطف على مقدر ينبيء عنه العي من القصد والمباشرة كأنه قيل : أقصدنا الخلق الأول وهو الإبداء فعجزنا عنه حتى يتوهم عجزنا عن الأعادة وجوز الأمام أن يكونالمراد بالخلق الأول خلق السماء والأرض ويدل عليه قوله سبحانه : أو لم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن ويؤيده قوله تعالى بعد : ولقد خلقنا الأنسان الخ وهو كما ترى وعن الحسن الخلق

الصفحة 177