كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

فاعل به لاعتماده أو معها خبر مقدم وما بعده مبتدأ والجملة في موضع الصفة واختبر كونها مستأنفة استئنافا بيانيا لأن الأخبار بعد العلم بها أوصاف ومضمون هذه الجملة غير معلوم فلا تكون صفة إلا أن يدعى العلم به وأنت تعلم أن ما ذكر غير مسلم
وقال الزمخشري محل معها سائق النصب على الحال من كل لتعرفه بالأضافة إلى ما هو في حكم المعرفة فإن أصل كل أن يضاف إلى الجمع كأفعل التفضيل فكأنه قيل : كل النفوس يعني أنه هذا أصله وقد عدل عنه في الأستعمال للتفرقة بين كل الأفرادي المجموعي ولا يخفى أن ما ذكره تكلف لا تساعد قواعد العربية وقد قال عليه في البحر : إنه كلام ساقط لا يصدر عن مبتديء في النحو ثم أنه لا يحتاج إليه فإن الأضافة للنكرة تسوغ مجيء الحال منها وأيضا كل تفيد العموم وهو من المسوغات كما في شرح التسهيل وقرأ طلحة محا سائق بالحاء مثقلة أدغم العين في الهاء فانقلبتا حاء كما قالوا : ذهب محم يريدون معهم وقوله تعالى : اقد كنت في غفلة من هذا محكي بإضمار قول والجملة استئناف مبني على سؤال نشأ مما قبله كأنه قيل : فماذا يكون بعد النفخ ومجيء كل نفس معها سائق وشهيد فقيل : يقال للكافر الغافل إذا عاين الحقائق التي لم يصدق بها في الدنيا من البعث وغيره لقد كنت في غفلة من هذا الذي تعاينه فالخطاب للكافر كما قال ابن عباس وصالح بن كسيان وتنكير الغفلة وجعله فيها وهي فيه يدل على أنها غفلة تامة وهكذا غفلة الكفرة عن الآخرة وما فيها وقيل : الجملة محكية بإضمار قول هو صفة لنفس أو حال والخطاب عام أي يقال لكل نفس أو قد قيل لها : لقد كنت والمراد بالغفلة الذهول مطلقا سواء كان بعد العلم أم لا وما من أحد إلا وله غفلةما من الآخرة وما فيها وجوز الأستئناف على عموم الخطاب أيضا وقرأ الجحدري لقد كنت بكسر التاء على مخاطبة النفس وهي مؤنثة وتذكيرها في قوله :
يا نفس إنك باللذات مسرور
على تأويلها بالشخص ولا يلزم في قراءة الجمهور لأن التعبير بالنفس في الحكاية لا يستدعي اعتباره في المحكي كما لا يخفى
فكشفنا عنك غطاءك الغطاء الحجاب المغطى لأمور المعاد وهو الغفلة والأنهماك في المحسوسات والألف بها وقصر النظر عليها وجعل ذلك غطاء مجازا وهو إما غطاء الجسد أو العينين وعلى كليهما يصح قوله تعالى : فبصرك اليوم حديد
22
- أي نافذ لزوال المانع للأبصار أما على الثاني فظاهر وأما على الأول فلأن غطاء الجسد كله غطاء للعينين أيضا فكشفه عنه يستدعي كشفه عنهما وزعم بعضهم أن الخطاب للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم والمعنى كنت في غفلة من هذا الذي ذكرناه من أمر النفخ والبعث ومجيء كل نفس معها سائق وشهيد وغير ذلك فكشفنا عنك غطائك الغفلة بالوحي وتعليم القرآن فبصرك اليوم حديد ترى ما لا يرون وتعلم ما لا يعلمون ولعمري أنه زعم ساقط لا يوافق السباق ولا السياق وفي البحر وعن زيد بن أسلم قول في هذه الآية يحرم نقله وهو في كتاب ابن عطية انتهى ولعله أراد به هذا لكن في دعوى حرمة النقل بحث وقرأ الجحدري وطلحة بن مصرف بكسر الكافات الثلاثة أعني كاف عنك وما بعده على خطاب النفس ولم ينقل صاحب اللوامح الكسر في الكاف إلا عن طلحة وقال : لم أجد عنه في لقد كنت الكسر فإن كسر فيه أيضا فذاك وإن فتح يكون قد حمل ذلك على لفظ كل وحمل الكسر فيما بعده على معناه لأضافته إلى نفس وهو مثل قوله تعالى : فله أجره وقوله سبحانه بعده فلا خوف عليهم انتهى وقال قرينه

الصفحة 184