كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

ثانيها قوله سبحانه لإبليس : لأملأن الخ ثالثها ألا يعاد مطلقا رابعها القول السابق يوم خلق العباد هذا سعيد وهذا شقي وعلى الثاني في معنى وجوه أيضا أحدها لا يكذب لدي فإني عالم علمت من طغى ومن أطغى فلا يفيد قولكم أطغاني شيطاني وقول الشيطان : ربنا ما أطغيته ثانيها لو أردتم أن لا أقول : فألقياه كنتم أبدلتم الكفر بالإيمان قبل أن تقفوا بين يدي وأما الآن فما يبدل القول لدي ثالثها لا يبدل القول الكفر بالإيمان لدي فإن الإيمان عند اليأس غير مقبول فقولكم : ربنا وإلهنا لا يفيدكم فمن تكلم بكلمة الكفر لا يفيده قوله : ربنا ما أشركنا وقوله : ربنا آمنا والمشهور أن ليد متعلق بالفعل على أن المراد بالقول ما يشمل الوعد والوعيد
واستدل به بعض من قال بعدم جواز تخلفهما مطلقا وأجاب من قال بجواز العفو عن بعض المذنبين بأنذلك العفو ليبس بتبديل فإن دلائل العفو تدل على تخصيص الوعيد وقال بعض المحققين : المراد نفي أن يوقع أحد التبديل لديه تعالى في علمه سبحانه أو يبدل القول الذي عمله عز و جل فإن ما عنده تبارك وتعالى هو ما في نفس الأمر وهو لا يقبل التبديل أصلا وأكثر الوعيدات معلقة بشرط المشيئة على ما يقتضيه الكرم وإن لم يذكر على ما يقتضيه الترهيب فمتى حصل العفو لعدم مشيئة التعذيب لم يكن هناك تبديل ما في نفس الأمر فتدبره فإنه دقيق وما أنا بظلام للعبيد
29
- وارد لتحقيق الحق على أبلغ وجه وفيه إشارة إلى أن تعذيب من يعذب من العبيد إنما هو عن استحقاق في نفس الأمر وقد تقدم تمام الكلام في هذه الجملة فتذكر
يوم تقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد
30
- أي اذكر أو أنذر يوم الخ فيوم مفعول به لمقدر وقيل : هو ظرف لظلام وقال الزمخشري : يجوز أن ينتصب بنفخ كأنه قيل : ونفخ في الصور يوم وعليه يشار بذلك إلى يوم نقول لأن الإشارة إلى ما بعد جائزة لا سيما إذا كانت رتبته التقديم فكأنه قيل : ذلك اليوم أي يوم القول يوم الوعيد ولا يحتاج إلى حذف على ما مر في الوجه الذي أشير به إلى النفخ
وهذا الوجه كما قال في الكشف : فيه بعد لبعده عن العامل وتخلل ما لا يصلح اعتراضا على أن زمان النفخ ليس يوم القول إلى على سبيل فرضه ممتدا واقعا ذلك في جزمه منه وهذا في جزء وكل خلاف الظاهر فكيف إذا اجتمعت
وقال أبو حيان : هو بعيد جدا قد فصل عليه بين العامل والمعمول بحمل كثيرة فلا يناسب فصاحة القرآن الكريم وبلاغته والظاهر إبقاء السؤال والجواب على حقيقتهما وكذا في نظير ذلك من اشتكاء النار والإذن لها بنفسين وتحاج النار والجنة ونحن متعبدون باعتقاد الظاهر ما لم لا يمنع مانع ولا مانع ههنا فإن القدرة صالحة والعقل مجوز والظواهر قاضية بوقوع ما جوزه العقل وأمور الآخرة لا ينبغي أن تقاس على أمور الدنيا
وقال الرماني : الكلام على حذف مضاف أي نقول لخزنة جهنم وليس بشيء
وقال غير واحد : هو من باب التمثيل والمعنى أنها مع اتساعها وتباعد أقطارها تطرح فيها من الجنة والناس فوجا بعد فوج حتى تمتليء ولا تقبل الزيادة فالأستفهام للأنكار أي لا مزيد على امتلائها وروي هذا عن ابن عباس ومجاهد والحسن وجوز في نفي الزيادة أن يكون على ظاهره وأن يكون كناية أومجازا عن الأستكثار وقيل : المعنى أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها فراغ وخلو فالأستفهام للتقرير أي فيها موضع للمزيد لسعتها وجوز أن يكون ذلك كناية عن شدة غيظها على العصاة كأنها طالبة لزيادتهم
واستشكل دعوى أن فيها فراغا بأنه مناف لصريح قوله تعالى : لأملأن جهنم الآية وأجيب بأنه

الصفحة 187