كتاب روح المعاني (إحياء التراث العربي) (اسم الجزء: 26)

لا منافاة لأن الأمتلاء قد يراد به أنه لا يخلو طبقة منها عمن يسكنها وإن كان فيها فراغ كثير كما يقال : إن البلدة ممتلئة بأهلها ليس فيها دار خالية مع ما بينها من الأبنية والأفضية أو أنذلك باعتبار حالين فالفراغ في الدخول فيها ثم يساق إليها الشياطين ونحوهم فتمتليء هذا ويدل غير ما حديث أنها تطلب الزيادة حقيقة إلا أنه لا يدري حقيقة ما يوضع فيها حتى تمتليء إذ الأحاديث في ذلك من المتشابهات التي لا يراد بها ظواهرها عند الأكثرين وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فيزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط وعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشيء الله لها خلفا آخر فيسكنهم في فضول الجنة
وأخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم : تحاجت الجنة والنار فقالت النار : أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة : ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم فقال الله تعالى للجنة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار : إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها فأما النار فلا تمتليء حتى يضع رجله فتقول قط قط فهناك تمتليء ويزوي بعضها إلى بعض ولا يظلم الله من خلقه أحدا وأما الجنة فإن الله تعالى ينشيء لها خلقا وأول أهل التأويل ذلك فقال النضر بن شميل : إن القدم الكفار الذين سبق في علمه تعالى دخولهم النار والقدم تكون بمعنى المتقدم كقوله تعالى : قدم صدق وظاهر الحديث عليه يستدعي دخول غير الكفار قبلهم وهو في غاية البعد ولعل في الأخبار ما ينافيه
وقال ابن الأثير : قدمه أي الذين قدمهم لها من شرار خلقه فهم قدم الله تعالى للنار كما أن المسلمين قدمه للجنة والقدم كل ما قدمت من خير أو شر وهو كما ترى ويبعده ما في حديث أحمد وعبد بن حميد وابن مردويه عن أبي سعيد مرفوعا فيلقى فيها أي النار أهلها فتقول : هل من مزيد ويلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يأتيها عز و جل فيضع قدمه عليها فتنزوي وتقول : قدني قدني وأولوا الرجل بالجماعة ومنه ما جاء في أيوب عليه السلام أنه كان يغتسل عريانا فخر عليه رجل من جراد والأضافة إلى ضميره تعالى تبعد ذلك وقيل : وضع القدم أو الرجل على الشيء مثل للردع والقمع فكأنه قيل : يأتيها أمر الله تعالى فيكفها من طلب المزيد

الصفحة 188